الاثنين، 15 يونيو 2009

القراءات النقدية










صخب الذات الشاعرة قراءة نقدية في ديوان ( هديل العشب والمطر )*
نشرت في مجلة آطام 

( هديل العشب والمطر)، هذه هي بوابة الولوج إلى عوالم الشاعرة لطيفة قاري، والشاعرة في تجربتها قد عنونت لديوانها بهذا الاسم لتكشف عن ذاتها المكتنزة بـاليأس / الشجن/ الألم/ الغربة/ الضياع / الحب/ الوجع/ التمزق/ الخواء/ الحصار/ الخراب/ الجنون/ النشوة، مع ما تكتنف هذه الدوال من مدلولات توحي بالانفصال والاتصال مع الذات الخارجة من عوالم أخرى، والداخلة في عوالمها، الذات التي تتصل أحيانًا بالعالم والموجودات، وتنفصل عنها أحايين أخر، المليئة بالصخب/ التأمل/ الدقة في الوصف/ والاندماج مع كل العوالم المحيطة بها.
وقد استمدت الشاعرة هذه العوالم من الذات الشاعرة تلك الذات المرتبطة ارتباطًا بالحقيقة والماهية[1]، و التي تريد أن تكشف عن حقيقة الوجود، وجودها هي، تتأمل حدَّ الاستغراق وفي لحظة الاستغراق هذه يشير الدكتور عبد الواسع الحميري أن الذات (تتوحد مع العالم الذي تنظر إليه، لأنها تنظر إليه بعين الفن بما هو شكل ولون، ولا تنظر إليه على أنه ذاتُه العادية)[2]، ومن هنا تسيطر الأنا في هذا الديوان بشكل سافر مما يعكس الوضع النفسي لكلِّ النصوص التي تحمل هذه المضامين.
وتأخذنا الشاعرة في مجموعتها هذه لعوالم مختلفة مليئة بالصخب، ناهلة من مختلف مرجعياتها، مرتكزة على ذاتها الحاضرة في عوالم النص بحواسها ووجدانها وقلق هويتها من جهة، وعوالم الآخر من جهة ثانية في تواصله وانقطاعه، والمكان/ القصيدة الحاملة لذاتها الصاخبة، والمكان/ الجسد وما يمثله من استلاب لتلك الهوية، من جهة ثالثة، وبرغم هذا التنوع، فإن الشاعرة في سعي لخلق جو شعري خالص انعكس إيجابيًا على صيرورة النصوص وضمَّن لها، بكيفية أو بأخرى، توازنا وجاذبية.
لقد تعرضت الشاعرة، في هذه المجموعة، إلى مواضيع مختلفة، وجودية ووجدانية، مما يشير بوضوح إلى مدى إلمامها الواسع بالقضايا التي عرضتها، كما أظهرت إتقانًا كبيرًا في تمرير الآراء والمواقف عبر تلك القضايا، فموضوعات الحرية والشعر والطبيعة والمرأة والطفولة والتاريخ والإنسان.. وغيرها، محطات شعرية استوقفت الشاعرة، و عبَّرت عنها فنيًا بحسب التداعيات، التي رافقتها ووجهت وعيها الشعري.

وأبرز ما يتجلى لنا حين نكاشف هذه النصوص "جدلية الأنا" التي نجدها طافحة ومسْتعِرة في الهديل الأول، ولا يعني هذا خفوت وهجها في الهديل الثاني، لكنها في هديلها الأوَّل تستعلي على كل شيء فهي أنا مهزومة ممزقة مع عوالمها، فالهواجس يعلو صوتها لتجعل منها ذاتا مهترئة لا وجود يحتوي أحلامها/ طموحها/ رغابتها/ نزقها:
أنا
كلُّ خاطرٍ يجوس بين اللحم والظفر
أنا
كلُّ هذا التنكرِ لحدودِ الوهمِ
أنا
كلُّ هذا النهرِ
من المصبِّ
وحتى بداية التلاشي في هاوية الملح [3]
إن هيمنة ( الأنا )، وتكرارها في النص يشي بذات تتوق إلى ملامسة الخلاص من التصدُّع والتيه الروحي الذي يجعل أناها منقسمة لأنَّات متعددة، فنراها تمضي في تساؤلاتها المحرقة عن معنى وجودها، مع شعورها بالخواء والتلاشي واللاجدوى، كلُّ هذه العوالم الداخلية المجتمعة تجترُّ متاعبها وأحزانها، والتي ستجعلُ منها شبه شجرة خريفية ظلت أمدًا بعيدًا بعد أن محتها رياح مجنونة، أو كلحظة فرحٍ قابلة للتصدع، إن هي لم تقاوم معاناتها الأزلية في معرفة سرِّ كينونتها:
لم أتعر بعد
كشجرة صرَّمت تاريخها ريح مجنونة
لم أتداع كزوادة الفرح
ملكت جوامع الغبش
وخسرت يقيني
وتناءى حداء قافلتي
و استوى الجوع
يسهِّد منابع الجمر
ويدك حصون الرمل
كلما أقبلت
سنة [4]
فصورة الشجرة التي تعرت بفعل الرياح العاتية، وصورة اللحظات التي تتداعى سريعًا من الذاكرة والشعور، صور إسقاطية لحالة الاضطراب الذي يملأُ أركان ذاتها، لكن هيهات لهذه الذات أن تنفك من هذا الصراع الذي يموج بين سرادقات روحها في كلِّ سنة تمرُّ الذات الشاعرة بعذاباتها، فدوال :" الغبش – الجمر – حصون"، كلها مؤشرات نحو اليأس والصراع النفسي، أما الأفعال المضارعة المصاحبة لها: ( أتعرى – أتداعى – يسهد – يدك)، فقد أوحت للمتلقي باستمرارية هذا القلق الروحي.
وقد تفقد الشاعرة ذاتها وسط يوميات الحياة العادية، فقراءة كتاب قد ينسيها وجودها:
أنا
من أنا
حين يُجلِسُني كتابٌ فوق ركبتيه
ويبدأ بتقطيع يومي [5]
نشتم رائحة الموت المؤقت للواقع المعيش من خلال استخدامها لدال " تقطيع"، مما يعني أنَّ الذات الشاعرة تعيش عبر هذه الحالة اللاشعورية نوعا من الحصار الخارجي على ذاتها، إن هذه الصورة المشاهدة التي التقطتها لنا عدسة الذات تجسِّدُ القلق البادي على يومها، وكأنها تعبِّرُ بطريقة ما إلى تهميشها من قبل المحيطين بها؛ السبب الذي جعلها تنكفئُ على كتابها لتعيش عوالم أخرى وتنفصل عن عالم الواقع.
وهذه الذات في حالة بحث عن هويتها المفقودة في ظل الصراع الأبدي الذي يحتلُّ دواخلها، تتلبسها الأسئلة لتبعثر كينونة وجودها:
أنا
من أنا
حين تبعثرني ندواتها
حين يلف الرمل
ذاك الجسد الطري
حين أفاجئها بالكلام الذي تعرفه
قبل أن يجيب نداء البحر[6]
هذه الأنا المتسائلة المتحيرِّة ترتدُّ إلى وهمها محاولة التمسك بآخر خيط من ضوء، وعبثًا تجد الإجابة، لكنها تفاجئنا في المقطع الأخير من هذا النص وتقف بنا عند منعطف يتضاءل وجوده تدريجيًا في الواقع:
ألا يكفي أنني امتداد لظل [7]
هذه الحالة يمكن وصفها بحالة مائعة لا يمكن الوصول معها لنتائج أو حلول، وكون الذات الشاعرة تَعُدُّ نفسها ضمن مصاف الظل فهي تشعر بتهميشها وبعدم أحقيتها في الوجود تحت ظروف قاهرة، تطالبها بعدم كشف حقيقتها أو انكشاف مساوئها، وبتلك النبرة التهكمية الساخطة المتمثلة في الأداة :"ألا"، تشير الشاعرة إلى هذا المعنى بكل وضوح.
إنها ذات مهزومة تحمل فضاءات مشحونة بالتناقض تطالب العوالم الخارجة أن تنهي العذابات والرغبات المكتومة:
أثمة نهاية لهذا العذاب
أثمة باب
يؤدي لمنفى الصباح
أتقيأ دما
وأسئلة
ورغبة مكتومة في الغياب
العالم يغسل أثمه في دمي
فتفز العروق
صارخة جامحة
كمهرة لم يروضها الألم
مزيدًا من الألم
أيتها السماء
يشيع في مفردات النص دلالات مكتنزة بالرفض - العبور– الفناء – الحصار- الاغتراب، الاشمئزاز- الخطيئة، من خلال النسيج اللغوي للمفردات :" العذاب- الدم - الغياب- الألم- النفي- الأثم "، والتي ساهمت في إشاعة هذه الرغبة المحمومة بالأسئلة واللا حضور لهذه الأنا في عوالم الآخر، في حين إن الأفعال المضارعة ساعدت في تكثيف هذا المعنى (أتقيأ – يغسل – يروّض – تفِزُّ )، ولتستمتع الروح مع هكذا عذاب، فإنها تستجلب الألم كنوع من التعذيب الذاتي الماسوشي.
وهذه الذات الشاعرة التي تسيطر عليها مثل هذه اللغة ما تزال تعيش هذا التداعي الذي يجعل منها ذاتا متبوعة / أغنية أو قصيدة يتعالى صوتها المنكسر في شفاه الآخرين/ الحبيب:
أنا
ظلال الشك الآتي
وبيت لمحمود أطلقه
لأعري انكساري به
(( يا ليتني حجر )) [8]
إن الخروج من بصمات الأنا المتوارية في شكها، ذاك الشك الذي سوله الآخرون لها/ الحبيب الذي تشتهي صوته الضاج/ الغاضب/ الصاخب / المجنون/ الناعم، ولكنه غائب في غياهب جبه، يجعلها تتمنى أن تكون حجرًا لتعري هذا الضعف المسكون بداخلها والذي كان بفعل قوة خارجة عن إرادتها، وقد استدعت الشاعرة صوت محمود درويش في يومياته لتوحِّد الحالة الشعورية بينها وبين الشاعر الذي كان يعيش حالة من ضياع الهوية، وقد مثَّل لها هذا الصوت الذكوري عنصر قوة في إطلاق صرختها وصوتها بأمنية، وهذه القفلة التناصية "ياليتني حجر"، جاءت بها لتترك علامات من التعجب في نفس المتلقين .
وحيثُ إن المرأة جزءٌ من هذه الذات، فإن هذا يكشف عن أن قضايا المرأة هي قضايا الذات المشبعة بالتساؤلات لذا نرى نصوصها مشبعة بقضية علاقتها مع الآخر الذي يشتهيها في عالمه وقتما يرغب وبالطريقة التي يرغبها لا التي ترغبها هي، فهذا الآخر يرفض أن يكون لها كيانا خاصا يشعرها باستقلاليتها:
لماذا تغادرني الآن
لأنني لم أعد كما تريد
أم لأنني أصبحت كما أريد [9]
فالمرأة تحب أن تكون مرتبطة بذاتها لتشعر بتلقائية ما يكتنفها من قوة أو ضعف، وهي في حالة هذا الارتباط تشتهي أن تكون في حضرة الآخر/ الحبيب هي ذاتها دون أية رتوش:
قل لي من أنا
أقل لك من أنا
هكذا تحب المرأة
حين تحب [10]
وكأنها بهذا التكرار الحواري تتبادل فيه الدور مع الآخر، لتضع له مفتاحًا وسرًَّا هو خاصية من خصوصيات المرأة حين تحب لتكون ذاتها المستقلة، فتسهِّل له العبور نحو عوالمها الداخلية وغزو مشاعرها ببساطة متناهية.
وهذا الآخر/ الحبيب يجعلها في صورة تساؤل دائم، محرضًا عوالمها الداخلية للنبش والتأمل والدوران حول نفسها:
لأظل أدور وأدور
نقطة البدء
هي اللا نهاية
وطيور سوداء تحلق في فراغي
طيور تتشكل
طيور تتلاشى
طيور تنقر صوتي
طيور تشدني من أطراف يقيني
لأبصر مالا يذاق
ولأسمع مالا يرى
وليسكرني الصمت
شهد الثواني [11].
يبدأ النص من أوله بمفارقة بين البدء واللانهاية لتثبت الشيء و نقيضه، مما يوحي بحالة من الهستيريا غير المتزنة تتصاعد تدريجيًا لدى الشاعرة كلما سنحت لمخيلتها الفرص في التقاط هذه الصور المتكررة، فتكرار الطيور أكثر من مرة يشي بصور مشوشة وضبابية غير واضحة المعالم، هذا وقد شكلت المفردات " تحلِّق- تتشكَّل- تتلاشى – تنقر – تشدني – يقيني – يرى - سوداء"، بالإضافة إلى مفردات أخرى - النسيج اللغوي لبعض نصوصها - تداعيا مع ذاكرة الشاعرة لتعمق أناها المتحققة عبر البنى المرئية للعيان والمسموعة، مع وجود مفارقة بين البصر الذي يذاق والسمع الذي يرى، وقد سخرت الشاعرة هذه البنى لأنها وجدت عجزًا في واقع المشاهد، فنقلت الصور المختزنة لتخدمها في نقل أحاسيسها، ولتخلق نسيجها الرؤيوي الذي أفضى في البداية لذات غائبة وأدى في نهاية - تصاعده الدرامي إلى تحويله وهمًا في بؤرة وعي الشاعرة، فلحظة الفراغ والصمت تشعل فتيل الكلام الذي لا يؤول إلا لصمت أو وهمٍ آخر يطبق أنفاس الوقت ويخنق اللحظة المشتعلة بالوهج القديم، فيحول كل لحظاتها إلى فراغ في عوالم الآخر، ومما هو لافت للانتباه وجود مفارقة توحي بالانشطار الكلي عن عوالمها الخارجية تتضمن تناقضًا عجيبًا للصور لدى الذات، فمن البدهيِّ أننا نبصر لنرى الأشياء لا لنذوقها، ونسمع لنستمتع أو نستعذب الحديث لا لنراه، لكن الشاعرة في تعبيرها ربطت بين حاستين متنافرتين، وهي بذلك تقرِّب لنا الصورة الحقيقية لما يعتلج خوالج هذه الذات.
ونزعة التحرر من القيود والانطلاق نحو عوالم أوسع رحابة هو أكثر ما يشغل هذه الذات التي تشعر بحصارها وانغلاقها في كهف قد أظلمت عوالمه:
هذه الدموع
التي تتحدر بسكينة
ولوعة
حين أعدو إلى قمة سامقة
كوعل يرنو إلى مجهول الذرى
أعرف أنني لا زلت
وجذوتي
لازلت
في كهفها [12]
إن الرغبة الجامحة والتوق الإنساني للخروج من تلك البوتقة التي تعيشها هذه الذات يجعلها في محاولة مستميتة لكسر هذا الحصار، وقد ساعد الفضاء النصي في إيضاح هذه الصورة حيث بدأت الشاعرة نصها من بداية السطر، ثم تدرجت لتقف عند مفردة ( لوعة)، لتتركها في صفحة تشتمل على مساحات بيضاء، وتتلاحق كلماتها سريعًا كما الوعل الذي يعدو ليصل إلى قمته، ثم تليها نبرة من اليأس لتجعل خاتمة نصها عبارة عن سطرين يمتلئان بالبياض إلا من كلمة واحدة تشي بالانفصال وعدم التوافق بين حروفها، إنها محاولة بائسة فاشلة أفضت بها إلى التساؤل الذي يضجُّ بكاءً والذي لا تعلم كنهه:
أهي الزهور التي اشتريتها
تبكيني
أم أختي التي قصت شعري أكثر
مما ينبغي
أختي تسألني
وأنا لا أدري
وهي أيضًا
لا تدري [13]
إن هذا التساؤل يعمق الشعور بالغربة والوحشة، مما يخلق لنصها فضاءً مشحونًا بالتوتر والحيرة، لتنهي خاتمة نصها الذي أودعت له عنوان :" كهف"، بإجابة مترددة منشطرة ( لا تدري )، مما يشير إلى أنها ذات غير قادرة على اتخاذ القرار هي والمجموعة /هن التي تمثلها.
و تتماهى الذات الشاعرة مع عوالم الآخر/ الشاعر الذي هو جزء آخر منها يتفاعل مع ما يحيط به مصورًا لحظة وجوده، يحكي انثيال الحروف لبدء تكَّون وتخلُّق القصيدة، فالقصيدة كما تقول فاطمة الوهيبي "مرآة ووسيلة لإبراز الذات في تخارج أو إخراج الذات من كينونتها الداخلية وتجسدها على الورق[14]، بل هي مكانها الذي تتجسد من خلاله رؤاها ومعاناتها وأحاسيسها في علاقاتها بالكون والكائنات" [15]، وتكشف لطيفة في إحدى تداعياتها الذات لنا عن ذات الشاعر حالة خلقه قصيدته، والتي عنونت لها :" تداعيات ما بعد الساعة الثالثة ….صباحًا":
شموع كثيرة ظلَّت تنزف طوال الليل
حتى يكمل الشاعر أبيات القصيدة [16]
هذا الشاعر تشظى مع عالمه ليخلق لنا قصيدة نزف لأجلها طوال الليل كما الشموع لتكون كما يريد.
أما في نصها الذي عنونت لها بـ :" شاعر"، فلها نفس الرؤية لكن الصراع هنا دائر بين الشاعر ولحظة الكتابة:
صداع
انثيالك في جوف الحروف
انثيال الحروف في نهر القصيدة
انثيال القصيدة
في عروق من تحب [17]
فالقصيدة تمثل حالة من حالات اللا وعي لدى الشاعر حين يندمج مع الحروف التي ننصاع بسهولة لتخرج من قمقمها الذي ترقد فيه، فتكرار الانثيال يعني حضورها الذي يحمل صفة الانصباب:
أيُّ زجاج صلد هي
أو أي زجاج صلد هم
كل يشف عن الآخر
كل يفضي إلى ملامح تشربها
كما تشربك الأيام
واقف هنا
ألوح بقصيدتي
علَّ سيارة يقولون
يابشرى [18]
إن السؤال الحائر المتكرر ( أيُّ زجاج ) ينبعث من خيبات نفس حائرة مضطربة خائفة من عدم التحقيق لرغبات القصيدة المنثالة، مع مافي الزجاج من دلالات التكسُّر، إذْ إن لحظة الفتك بالقصيدة لتخرج من قمقمها المارد هي لحظة الظفر وإعلان البوح بها عبر عوالم الآخرين، وهذه النزعة الذاتية في الظفر تكتنفها العديد من الإيماءات المتجه نحو التصارع بين الذات التي تعي نفسها كموضوع مع الذات التي تعي نفسها كذات فاعلة خالقة للنص ومنتجة له على حد قول الدكتورة. فاطمة الوهيبي[19]، ليعلن هذا الشاعر فرحه وبهجته بانتصاره وظفره بالنص الذي جعل منه ذاتا تندمج في عوالم الآخر لتعبر عن بؤسه ،تعبه ،فرحه:
فأهتفُ
يا بشرى
أتسول تعب الآخر
صخب الآخر
وأنا كون آخر
ليس له ذاك الدفق الرتيب
ليس له ذاك الفرح المستعار [20]
ومع إنوجاد هذا الفرح إلا أن ذات الشاعر المتخلقة مع ذوات الآخرين، تكتنزها المآسي والآلام التي تعكس المرآة الحقيقة لهذه الذات المعبرة.
هذا الشاعر قد اختار القصيدة في نهاية الأمر بعد أن عانى عدم تحقق أحلامه ،آماله وقضاياه، تقول:
الكتاب كان يغري بالسفر
والأحلام كانت تغري بالعبث
والواقع كان يغري بالموت
احتار الشاعر بينهم
ثم اختار
القصيدة [21]
وهذه القصيدة كما تراها ذات الشاعرة عندما تتخلق فإنها تصدع رأسها بالحكايات التي اهترأت ولم تعد تنفع في ظل الوضع الاجتماعي الذي تعانيه، تقول في نص لها بعنوان:"شعر" مخاطبة هذا الشعر:
أنت تصدع رأسي بحكاياتك
التي أهترأ نسيجها
فما عادت تستر فاقة الألم
صغ لي ذاكرة الأشجار
وجمر المستحيل
وصلاة الحجر
ورماد الحدائق
وهديل الرمل
وفاكهة الجنة
وضع فوق كفي زمردة
تلهب كأس الوقت
فضة الأسئلة لو ذوبتها
وسقيتني زبدها
لانفتحت كهوف الوحشة
في أحضان جبال تراها هامدة [22]
فمخاطبة الشاعرة للشعر باستخدام مفردات فيها نبرة تبخيس لدور هذا الشعر في حياتها، راغبة منه أن يتوقف عن حكاياته المصدعة، تلك الحكايات التي تغزو مستودع الذات لتشوش الصور، مع ما في النص من مفارقات تسهم في إحداث هذا التشويش.
وتستوقف الشاعرة كلماتها المعبرة عن هذه الذات، لتبدأ حالة الفصام بينها وبين المعنى المتخلق بداخلها، في مقطع من قصيدتها :" صفحة أولى من سفر الرؤية:
أيتها الكلمات
لا تعبريني
أنا لست جسرًا يفضي بك إلى المعنى
أنا المعنى [23]
فانشطار الذات التي تحمل عبء المعنى وتتشظى بداخله لتتكون وتتخلَّق عن الذات المعبرة الفاعلة المرئية مع تكرار الأنا لإثبات أحقيتها وأولويتها، يعني صراعا أبديا يتلبس هذه الذات يشير إلى حالة من اللا توافق بينها وبين نصها.
بل وترفض أن تبوح لورقتها بكلِّ ما يختلجها، خوفًا من سلطة عليا قد تكون ذكورية أو وضع اجتماعي يحكمها، تقول في صفحة من سفر الرؤية:
لن أبوح لك أيتها الورقة بأكثر مما فعلت
سأظل محتفظًا بأسراري في قلبي
قلبي لا يميل مع الريح
قلبي لا يفتشه العسكر [24]
تعلن الشاعرة بقوة أنها ستكتفي بما كتبته عن ذاتها، مع أحقية احتفاظها بباقي أسرارها، فالقلب مستودع الأسرار وخفايا الروح، حتى القصيدة التي كتبتها فقدت قيمتها وجذوة أوارها في لحظة شعرت فيه أن القصيدة لم تعد تعبر عنها:
القصيدة التي كتبتها
ذبلت بعد يومين
وظلت الورقة كما هي [25]
فالقصيدة عتبة الدخول لعوالم الذات الشاعرة الداخلية حيث الذاكرة مستودع الأفكار والرؤى والأحلام والتأملات، إنها كما يقول عنها الشاعر هنري كاتيان:" مدار الكلمات ،، ذاكرة هامسة" [26]، فالقصيدة بما تحمله من تطلعات / أحلام / روئ / ذكريات / تلهب الذاكرة، لتشعر ذاتها الجامدة الباردة حرارة هذه الذكريات:
حين أشعلت القصيدة فينا
جمرة الذاكرة
احترقت أطراف الشتاء [27]

وأبرز ما يطالعنا في بعض نصوص لطيفة قاري هو إبراز الجسد بتنوع صوره، ذلك أنَّ الجسد جزءٌ من الذات، ويشكِّلُ هذا الجسد حضورًا حينما يتسنى له أن يختزل اللحظة، إنه على حدِّ رأي عبد العزيز موافي يتشكل "كمادة محسوسة قابلة للمس والاحتواء، وحينها نفقد ذواتنا كأشخاص، ونسترجعها كإحساسات، وبمقدار ما يغدو الإحساس أكثر كثافة، يصير من نعانقه أكثر تحددًا"[28]، تقول الشاعرة، :
الشفاه تعانق بعضها
لنشعر بالنشوة
والنشوة غادرت أعضاءنا
وسكنت خيال الشعراء
لنشعر بالدفء [29].
فإشباع الرغبة الأنثوية يكون بملامسة هذا الجسد، والشفاه جسر يفضي إلى هذا الإشباع المتخيل في ذهن المتلقي، أو كما يرأى موافي في أن الكتابة بالجسد هنا ليس هدفها سوى استثارة ذاكرة المتلقي للرغبات الجمالية" [30].
إن كتابة المرأة تفجير لأشياء ينطوي عليها الجسد، وهي كامنة تطل علينا عبر الإيحاءات والإيماءات وتكثف فعلها في جسد الآخر المتماهي والمختلف[31] لهذا كان "النص المكتوب كما يشير محمد نور الدين أفاية امتدادا وجوديا للذات الكاتبة وتكثيفا لأشياء أخرى تتجاوزها[32].
والقصيدة " هي الجسد الاعتباري الذي يضاجعه الشاعر، في محاولة الوصول إلى نوع من التوازن النفسي الذي تتغياه حركة الليبيدو، فإذا كانت الطاقة النفسية الفائضة تمور في ظلمة اللاوعي، فإن القصيدة – أيضًا – تتشكل في نفس المنطقة " [33]، والتعلق ببواعث "الجسد"، ورغباته واستبطان نوازعه الداخلية، يفسر شيوع مجموعة من الدوال المؤشرة على مثل هذه النوازع الجسدية من قبيل "الشهوة، النافرة، الطافحة، العري"، تقول لطيفة:
الحمى قشرت جلدي
تحت من أختبئ الآن
وأخبئ عروقي النافرة
الطافحة بشهوات أبدية
هي حجة الطين
ليستر عريه تحت تلك الطبقة من النسيج
الذي لا يصمد لأكثر من 37مْ [34]
إن صورة حمى / المرض / الحب وهي تعلو هذا الجسد المادي الطافح بالشهوات والرغبات الأبدية، وتغلي مراجلها في هذا الجسد الذي يتنصل من حالته الطبيعية ليتحول بفعل هذه الدرجة من الغليان من الشهوة الطافحة، والاختباء خلف هذا الجلد الذي تمرَّس على هذه الحالة ليستر حالة مستبطنة داخل هذه الذات.
ولنقرأ نصا بعنوان :" فاتحة البكاء"، والذي يتضحُ فيه طغيان هذه الدوال:" الشهوة- سوءة- يواري- نزق- الدهشة- حمم- تنثرني- تبعثرني- ثمار الرغبة- نزت الخطايا"، تقول:
منذ أن عقد الشيطان لواءه
فوق ذرى الشهوة
وتناحر ابني آدم على سراب
هذا الصباح
أبحث عن غراب يواري سوءة الآتي
فلا أبصر غير أفق غادرته الشمس
لا أرى غير الدهشة المصبوبة في الوجوه
التي ألفت حمم البركان
تغتالني
تمزقني
تنثرني في الشوارع التي ألفت خطوات هذا الجسد
هذا الجسد
هذا الجسد
سوط اللعنة التي نزت من الخطايا
تقرَّحت
ونزَّ صديدها
هذا الصباح
الخالي من رائحة القهوة
وثمار الرغبة
لأنه لا وقت للتيه في سهوب الحكمة
مع الحمم التي تهرأت منها الدموع
أي بيت سيحضن أوبتي
ويستر نزق الظهيرة
والصباح فاتحة لهاجس ممض
يطــــول [35]
إن هذه المفردات التي يكتظ بها النص ( سوط/ نزق/ لعنة/ رغبة/ جسد)، فالذات غارقة في سلبيتها نحو مادية هذا الجسد، مما جعلها تعيش صراعًا عنيفًا مع هذا الجسد الذي تمثلت فيه الخطيئة بكلِّ أشكالها، وهي في محاولة بائسة لستر هذه الرغبة الجامحة التي تظهر آثارها على هذا الجسد في صورته المادية، وتسيطر على هذه الذات هواجس تستلب مخيلتها ليطول بها زمن هذه اللحظة التي تفتح عليها باب الرغبات.
وأمام السلطة الذكورية والقمع الاجتماعي الذي يخالج هذه الذات، تجعل أناها أنا ذكورية في محاولة لإنكار الذات الأنثوية ليس من طرفها ولكن من طرف الآخر:
أنت غريب عن القبيلة
أعرف
لكنني أنا أيضًا غريب
مع أنني لم أغير جلدي سوى مرة واحدة
ألقيت إليهم بثوبي
الذي مزقته الغواية
وبقيت عاريًا إلا من حكايا جدتي
ومن نزغات الشياطين [36]
وفي لحظة تقمص شخصية الآخر، تعرِّي الواقع، فإنكار القبيلة هذا النزق، أجهض توق الذات نحو الخلاص لتدخل عوالم صوفية تتجلى فيها نحو الكمال الذي ليس هو باختيارها، وإنما باختيار الآخر:
هل تحفظ الفاتحة
إذًا اقرأ على روحي
وكن ملاكًا كما أشتهي
ونبيًا
كما يشتهون
النبوة في حينًا
واجب وطني [37]
فانشطار الذات بين ما تشتهيه هي وبين ما يشتهيه الآخرون يفضي إلى التناقض الذي تتماهى فيه الروح مع الجسد بنزقه ليعبر كلٌّ منهما عن هويته الحقيقة، ففعل الأمر ( كن )، هو فعلٌٌ قسري موجه لفرد ضمن منظومة اجتماعية تجبره على أن يلبس أقنعة متعددة ويخفي حقيقته.
وفي نص لها بعنوان :" نشوة"، تقول:
أبتسم
وأنا أدقُّ بقدمي على الأرض
وأضحك
وأنا أنزع تويجات زهرتي
وأبكي
وأنت تسطو على دفء غاباتي [38]
يقال: سطى اللص على المتاع: انتهبه في بطش وأخذه بفعل القوة والعنف، والفعل: (تسطو) هنا بما يحمله معجمه اللغوي يعني الاعتداء والاغتصاب المستمر، وسطوة الآخر على هذا الجسد لهو من دواعي دخول الذات في مرحلة من الانشطار الذي يشعرها بأنها ذات مستلبة من قبل ذوات أخرى أقوى منها، هذا الجسد الذي ما عاد قادرًا على المقاومة فتصدعت خلاياه كما تقول:
هذا الجسد الواهي
تتصدع خلاياه
كلما تغاوى شهر
وأنَّ قمر [39]

ونلمح في بعض نصوص الشاعرة علاقة بين الجسد وبين فعل الكتابة، فما الجسد إلا إناء للكتابة، وحين ينطفئ الجسد تنطفئ الكتابة، وبالتالي فإبادة ثقافة لا بد أن تتبعه خطوة إبادة الجسد كما أشار الناقد يوسف أبو لوز في إحدى مقالاته، إذْ إنَّ هذا الجسد كما يوضحه الدكتور.فريد الزاهي[40] :" موضوع النص ومنبع معطياته ومنتجه ومتلقيه في الآن نفسه"، والذات الشاعرة تشير بأصابع الاتهام إلى وجود معتد يحاول بشتى الطرق أن يجهض هذا الجسد لتمتنع عن الكتابة، تقول في :" تداعيات ما بعد الساعة الثالثة…. صباحًا":
من أطفأ جسدي
الآن لم يعد ثمة ضوء نهتدي به
إلى نبع الحروف
من أطفأ جسدي
من أطفأ الحروف [41]
إن هذه الخيانة التي مارسها الآخر في إطفاء وهج هذه الجسد والذي هو إناء تتموضع فيه أفكارها ورؤاها ورغباتها وتعبيرها الأنثوي عن احتياجاتها وكل ما يختزن عوالمها الداخلية، هي خيانة مشروعة ومدروسة لإطفاء نبع هذا الينبوع الكتابي.

لقد ساهم التشكيل الجمالي للديوان في إبراز الذات المنشطرة والمفتتة في تجربة الشاعرة لطيفة قاري، وهذا الديوان كمنجز إبداعي يختلف في تجربتها عن التجربة السابقة: "لؤلؤة المساء الصعب"، الذي اشتملت نصوصه على القصيدة التفعيلية، لتلجأ إلى ما يسمى بالقصيدة النثرية، والذي هو بدوره نوع من انشطار الذات التي رأتْ – من وجهة نظري - أن قصيدة التفعيلة تجعلها تحجم عن مساحات التعبير، فاختارت القصائد النثرية، والقصيرة ذات الومضات المكتنزة بالدلالات العميقة، والتفتيت الدقيق للفكرة، لتنقل لنا عوالم الذات الداخلية بصورة أكثر كثافة، وتعبر عن الأنثى وتأملاتها الذاتية والشاردة بكلِّ دقة ومصداقية.
أخيرًا:
استطاعت الشاعرة في مجموعتها: " هديل العشب والمطر"، أن تبحر بنا نحو عوالم ذاتية ماتعة لأنات متعددة، لنعيش ونتعايش مع مجموعة من الذوات / المنشطرة / المتألمة المتداعية/ المبدعة / المتأملة، الذات التي ترغب بعوالم أخرى تخرجها من عوالمها الداخلية إلى عوالم أكثر رحابة وهي عند خروجها لهذه العوالم تصطدم بالواقع الذي يجعلها أكثر إنكفاءً على ذاتها وتفتتًا معها، إنها علاقة طردية تحتاج إلى دراسة أخرى متأنية في أعماق هذه الذات مرة أخرى.
ولا أدَّعي الكمال في هذه الدراسة المبسطة، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت:
فما أبرئُ نفسي إنني بشرٌ يسهو ويخطئ ما لم يحمه القدرُ



* نُشرت في مجلة الآطام، العدد 30 في السنة العاشرة .
1- يُنظر: الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية، د. عبدالواسع الحميري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – لبنان، ط:1، 1419هـ - 1999م، ص 11
2- الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية، مرجع سابق، ص 45
3- الديوان، ص 50/ 51
4- الديوان، ص 50/ 51
5- الديوان، ص 70
6- الديوان، ص 72
7- الديوان، ص 72
8- الديوان، ص 55
9- الديوان، ص 122
10- الديوان، ص 122
11- الديوان، ص 99/ 100
12- الديوان، ص 96
13- الديوان، 98
14- المكان والجسد والقصيدة- المواجهة وتجليات الذات، فاطمة الوهيبي، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، ط:1، يونيو 2005م، ص 162
15- المكان والجسد والقصيدة- المواجهة وتجليات الذات، فاطمة الوهيبي، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، ط:1، يونيو 2005م، ص 43
16- الديوان، ص 122
17- الديوان، ص 95
18- الديوان، ص 95
19- المكان والجسد والقصيدة- المواجهة وتجليات الذات، فاطمة الوهيبي، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، ط:1، يونيو 2005م، ص 166
20- الديوان، ص 60
21- الديوان، ص 137
22- الديوان، ص 42/ 43
23- الديوان، ص 131
24- الديوان، ص 133
25- الديوان، ص 137
26- نقلا عن شاعرية أحلام اليقظة – علم شاعرية التأملات الشاردة، غاستون باشلار ت. جورج سعد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- بيروت، ط:1، 1411هـ/ 1991م، ص 30
27- الديوان، ص 124
28- عبد العزيز موافي- قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية- المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة، 2004م، ط:1، ص 158
29- الديوان، ص 124
30- يُنظر: عبد العزيز موافي- قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية- المجلس الأعلى للثقافة، مرجع سابق، ص 160
31- مقال بعنوان:" الجسد الأنثوي وفتنة الكتابة" لعبد النور إدريس.
23- محمد نور الدين أفاية، الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش، إفريقيا الشرق – الدار البيضاء، 1988، ص:41، نقلاً عن مقال بعنوان:" الجسد الأنثوي وفتنة الكتابة" لعبد النور إدريس.
33- قصيدة النثر، مرجع سابق، ص 162
34- الديوان، ص126
35- الديوان، ص36
36- الديوان، ص 32
37- الديوان، ص 32
38- الديوان، ص 85
39- الديوان، ص 90
40- د.فريد الزاهي " النص والجسد والتأويل" إفريقيا الشرق، الدار البيضاء سنة 2003م، ص 19/ 20
41- الديوان، ص 122


نشرت في مجلة ملتقى نقد النقد

قراءةٌ في الرُّؤيةِ المنهجيَّةِ للنَّاقد الدّكتور حسن النعميِّ
(رجع البصر – قراءات في الرواية السعودية- نموذجًا)

مقدَّم لملتقى النقد الأدبي للنادي الأدبي الثقافي بالرياض
ضمن المحور الأوَّل "منهجية الحركة النقدية السعودية حول الرواية"
في دورته الخامسة "الحركة النَّقديَّة السُّعوديّة حول الرِّواية"
جمادى الآخرة 1435هـ
أبريل 2014م

إعداد الباحثة
د.نجلاء بنت علي مطري



  • - مدخل:

تُعدُّ تجرِبة النَّاقدِ الدكتور حسن النعمي()، تجربةً كفيلةً بالدراسةِ والاهتمامِ، فهو من النُّقادِ الَّذين اهتمُّوا بالنَّقدِ الروائيِّ عامَّةً والسُّعوديِّ خاصَّةً، فهلْ اتجهتْ هذه التجربةُ لتشكيلِ خطابٍ نقديٍّ يشتغلُ على نظرياتِ السَّردِ ويعاينُ النُّصوصَ الروائيَّةَ بوعيٍّ نقديٍّ يتعالى عن الآلياتِ الأكاديميَّةِ التي تُخضِعُ النُّصوصَ الروائيَّةَ لوطأتِها؟؟.
 وقدْ سَعَى النَّاقدُ إلى تأسيسِ خطابٍ نقديٍّ روائيٍّ من خلالِ مشروعِهِ النَّقديِّ، الذي تمثَّلَ في: مؤلفاتِهِ ودورهِ الفاعلِ في إنشاءِ جماعةِ حوار التَّي تهتمُّ بالشَّأنِ الروائيِّ، ورئاستِهِ للدورياتِ التَّي تُعنى بالسرديَّاتِ العربيَّةِ، وإنَّنِي من خلالِ كتابِهِ: (رجع البصر– قراءات في الرواية السعودية-)، أودُّ أنْ أشيرَ إلى هذه التجرِبةِ، وأنْ أطرحَ الأسئلةَ التي تعينُ على معرفةِ حدودِ ومعالم هذه الرؤيةِ.
  • - فهل استطاعَ أن يشتغلَ على رؤيةٍ منهجيَّةٍ واضحةٍ؟
  • - ما الرؤيةُ النقديَّة التي سارَ عليها في دراستِه للنصوصِ الروائيةِ؟، وما الآلياتُ التي اشتغلَ عليها في نقدِهِ؟
  • - هل هناك ملامحٌ محددةُ المعالمِ للمشروعِ النقديِّ للنَّاقدِ حسن النعميِّ؟ 
  • - وهل يمكننا عدَّ هذه التجربة مشروعًا نقديًّا؟؟!
وعليه، فإنَّ هذه الورقةَ تسعى إلى بلورةِ المشروعِ النَّقديِّ، وتلمُّسِ الرؤيةِ المنهجيَّةِ للدكتور حسن النعمي، لذلك فإنَّ تركيزي سيكونُ منصبًّا على تشكُّل  الرؤية النقدية في السياق المنهجي للناقد من خلالِ تسليطِ بعضِ الضوءِ على العتبةِ الكبرى، وإيضاحِ المنهجيَّةِ التي سارَ عليها في تطبيقاتِهِ وتحليلاتِهِ للنُّصوصِ الرِّوائيَّةِ في كتابِهِ المذكور.


    1. 1-1 في العتبة الكبرى:

سأضيئُ ها هنا بعضَ جوانبِ العتبةِ الكبرى التي وقع عليه اختيارُ الناقدِ، وهي: (رجع البصرقراءات في الرواية السعودية-)، إذ إنِّ من معاني "الرجوع" في "المعجم الوسيط": إعادة النظر، يقال: رَجَعَ إلى الكتابِ، بمعنى أعادَ النظرَ فيه()، أمَّا لفظة "البَصَر"، فكما قال صاحب "الصحاح"، بمعنى: حاسَّةُ الرؤيةِ، وكذلك البَصَرُ: العِلْمُ، وبَصُرْتُ بالشيء: عَلِمْتُهُ، والبَصيرُ: العالِمُ، وقد بَصُرَ بَصارةً، والتَبَصُّرُ: التأمُّلُ والتَعَرُّف()، وفي معجم "المعاني الجامع"()، يقال: "رجَع النَّاظرُ بصرَه": أعادَه وكرَّر النظرَ في الشّيء، إذًا نتوصَّل من خلال المعاجم السَّابقة، أنَّ: "رجع البصر"، بمعني: "إعادة النظر"، وقد دعَّمَ هذا المعنى وأيَّده العبارة المكتوبة مباشرة أسفل العنوان: "قراءات في الرواية السعودية"، فالقراءةُ، كمفهومٍ واصطلاحٍ نقديٍّ: يقصدُ بها تعددَ زوايا النظرِ والرؤى في التعاطي والتعامل مع النَّص أو الأثر الأدبيِّ وتحليله.
وتأتي لفظة (قراءات)، بمعنى دراسات من خلال رؤية المتلقي، وهي محاولةٌ لتفسير نصّ ما، أو مجموعة من النصوص في ضوء التأثر الذاتي والذوق القائم على التخير والانتقاء، إنَّها عمليةُ "إعادة تدوير ثقافية" تثري النص وتوسع مدارك وآفاق كلٍّ من المرسل والمستقبل لتتحوَّل العلاقة ما بين الكاتب والقارئ من أحادية إلى ثنائية الاتجاه().
والقراءة النقديّة تتجاوزُ مفهوم النقدِ لـتصبحَ ممارسةً إبداعيّه بـحدِّ ذاتها، وقد تحوَّلتْ القراءةُ إلى تأويل للنصِ ينطلقُ من نموذج نظريٍّ حدَّدته الشعريةُ فصارت القراءةُ مجالاً لاختيار مفاهيم النظرية، ثم حوَّل "رولان بارت Roland Barthes" القراءة إلى قراءات معتبرًا أنَّ مقاربةَ أيّ نصٍ لا يمكن أن تكون مقاربةً وحيدةً، وقد دفع "بارت" المصطلح إلى أبعد من ذلك، فاعتبر القراءةَ عمليةَ تشريعٍ لأبوابِ النصِّ على تعدد المعاني، فثقافةُ النَّاقدِ الذي يقاربُ النصَ مصنوعة من نصوص أخرى، ومن شفرات عديدة ().
ومن خلال هذا المنظور، يظلُّ مصطلحَ (القراءة) مصطلحاً منفتحاً بإجراءاته النقدية على المناهج النقدية والأدبية مجتمعةً أو منفردةً، وعلى تقنياتها؛ فيبيحُ الشموليةَ والموازنةَ والمقارنةَ‏().
فــ"النعمي" يُعِدُّ نفسه في المقام الأول ناقدًا ومتلقيًا لهذا الأعمال الفنية أو العمل الفني (الرواية السعودية)، و يطلبُ من المتلقِّي/ القارئ في المقام الثاني أنْ يعيد الرؤية والنظر فيما قدمه من قراءات، مما يعني أنَّ الناقدَ مرَّ بتجربتين حين طرأت له فكرة هذا الكتاب، وهما: 
    • - التجربة الأولى: في القراءات التي كتبها منذ سنة 2000م، إلى سنة 2003م، وهي قراءات نشرت في مجلات ولم يقم بفحصها مرة أخرى، وإنما قام بإدراجها في هذا الكتاب كما نُشِرتْ، طالبًا من القارئ / المتلقي إعادة الرؤية وقراءة خصوصية المشهد الروائي السعودي من وجهة نظر أخرى، ممَّا يعني أنَّها قراءةٌ ذوقيةٌ حَدْسية ومعرفية جادة وواعية وجريئة ومتوازنة لفهم النّص الأدبي وتحليله وتفسيره‏().
    • - والتجربة الثانية: هي أسئلة سياقه الروائي التي طرحها في التمهيد، وأشار إلى أنها تتطلَّبُ قراءات متعمقة في التشكل المعرفي، مما يعني أنَّ التجرِبةَ بحدِّ ذاتها هي تجربة انطباعية، ثم تفحصية نقدية، هدفها إثارة القارئ من خلال التساؤلات التي يطرحها بداية ونهاية كل قراءة، مما يعني أنه ناقد واع بخصوصية المشهد الروائي السعودي، متأثرًا في ذلك بــ"أفق الأسئلة"، عند "هانز جورج جادامر" الذي يدخل ضمن ماسمي بمنطق (السؤال والجواب)()، مشيرًا به إلى مدى الرؤية الذي يشمل كلَّ شيء يمكن رؤيته من موقع بعينه مناسب، بحيثُ تتحرَّك الكتابة العادية والقراءة داخل هذا الأفق، الذي يخبرنا عن الكيفية التي تم بها تقييم العمل وتفسيره عند ظهوره فحسب، ولكن دون أن يؤسس هذا الأفق معنى العمل على نحو نهائي()، فالقراءة، وفق كلِّ ذلك، استشرافٌ حقيقيٌّ فاعلٌ للنص؛ وإدراكٌ واعٍ لدلالاته ومعطياته الفنية، في الوقت الذي تتيح للمبدع الأول أن يظهر في نصّه، لا يغيب عنه؛ ولا يتراجع لحساب الناقد المتلقي.‏

ويحقُ لنا أن نطرحَ السؤال التالي:
    • - هل فعل "النعمي" ذلك عن عَمْدٍ، باعتبار أنَّ العملَ الفنيَّ يظلُ مكيفًا بالغيرية، وبعلاقته بالآخر بوصفه ذاتًا مدركة ؟، وهل كان مؤقنًا أنَّ هذا العمل النقدي بحاجة إلى إعادة الرؤية والنظر فيه؛ بوصفه قراءات نشرت في مجلات وملتقيات؟، هذا ما ستبيْنُ عنه هذه الدراسة.

    1. 1-2 في نقد الرؤية المنهجية للكتاب:

الناقدُ الدكتور "حسن النعمي"، من النُّقادِ المتميزين على السَّاحة النقدية السعودية، فقد استطاع من خلال ما قدَّمه من مشروع نقديِّ أن يؤسِّسَ لرؤيةٍ منهجيةٍ تهتمُ بالسَّردِ الروائيِّ السعوديِّ، وخصوصيَّةِ هذا المشهد، حيثُ قامَ بتأليفِ كتبه الثلاثة، وقد جاء الأول بعنوان: (رجع البصر –قراءات في الرواية السعودية-)، وذلك سنة 2004م، أمَّا الثاني، فكان بعنوان: (الرواية السعودية واقعها وتحوُّلاتها)، سنة 2009م، في حين جاء الكتاب الأخير، بعنوان: (بعض التأويل "مقاربات في خطابات السرد" 2013م).
ومن هذا المنطلق، فإنَّني سأستعرضُ -في هذه الدراسة-، الكتاب الأوَّل بشيءٍ من التفصيل، وسأشيرُ بشيء من الإجمال إلى الكتاب الثاني لتتضِح الرؤية المنهجية التي اختطَّها "النعمي" لنفسه وذلك عند الحديث عن التشكُّل النقدي لرؤيته.
ففي كتاب: (رجع البصر –قراءات في الرواية السعودية-)، الذي صدر عن نادي جدة الأدبي سنة 2004م، قدَّم الناقد والقاص، قراءات متنوعة عن الرواية السعودية، وتصدَّر الكتابَ مدخلٌ تمهيديٌّ ضافٍ استعرض فيه مسيرة الرواية السعودية والحضور اللافت لها خصوصًا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ونظر بإيجاز إلى التغير الذي حدث للرواية السعودية، وهو تغير في مستوى تزايد التراكم الكمي، والتطوُّر النوعي للسرد الروائي، وقد ألمح في مدخله إلى قراءة الرواية ضمن تطورها التاريخي، مشيرًا إلى تجربة "عبد القدوس الأنصاري" في (التوأمان)، واستخلص إلى أن أعمال هذه المرحلة كانت تنحو منحىً إصلاحيًّا، وعدَّ تجربة "حامد دمنهوري"، في روايته: (ثمن التضحية)، بأنَّها تمثَّلُ تطوَّرًا نوعيًّا في مسيرة الرواية التي بدأت بطيئة، ثمَّ عاين المشهد الروائي في التسعينيات وما بعدها، وأشار إلى أن هذا المشهد كان مغريًا للتأمل من حيث جرأة الاختراق، ومغامرة عدد من الشعراء بكتابة الرواية، وقدوم كتَّاب من خارج الوسط الأدبي التقليدي()، وتناول "النعمي"، تجربة "عبده خال"، الذي اعتبره من المساهمين في تحقيق قفزة سردية نوعية للرواية السعودية، مشيرًا إلى أن هذا الجيل –جيل الثمانينيات- عجز عن تحقيق حلم كتابة الرواية()، في تلك الفترة، مستثنيًا القاص "عبد العزيز الصقعبي"، الذي اعتبر تجربته تلك تجربة خجولة()، وألمح إلى أنَّ مرحلة التسعينيات كانت مرحلة روائية خصبة، فقد استطاع الكتاب الأحدث سنًّا إلى تقديم روايات مهمة على صعيد التطور التقني، أمثال: "عبدالله التعزي"، "محمود تراوري"، "محمد حسن علوان"()، ولم يغفلْ دور المرأة في كتابة الرواية، فقد قدَّم في نهاية حديثه عن مسيرة الرواية السعودية، لهذا الدور الذي اعتبره متأخرًا عن دور الرجل، مشيرًا إلى الروايات التي ظهرت في الستينيات، وأواخر السبعينيات، مع توقف إسهام المرأة حتى مرحلة التسعينيات، وبداية تجربة "رجاء عالم" المختلفة في الكم وطريقة التناول وطبيعة الموضوعات()، ويستنتجُ بعد هذا العرض التاريخي لمسيرة الرواية السعودية عدة استنتاجات، ويتساءل في نهاية استنتاجه عن زمنية اغتراب الكتابات عن قارئها في الداخل.
 ويفصحُ الناقدُ في نهاية تمهيده لهذا الكتاب أو مشروعه النقدي عن طموح هذه القراءة التي: (تستدعي جدية المنتج الروائي المتزايد نظرة فاحصة تعيد تقييم بعض المسائل العالقة في الخطاب الروائي، فالرواية المحلية التي كتبها القصاص والشعراء وأصحاب الرأي، تعد نص العصر بكل تجاربها وتنوعها، وقدرتها على تحقيق إنجازات معرفية وجمالية، كما أن علاقة التوتر بين المجتمع المحافظ وبين الرواية بوصفها نصًا غير مهادن، يواجه ولا يتراجع، ويكشف أكثر مما يستر، تتطلُّب قراءة متعمقة في التشكل المعرفي للتجارب الروائية)()، فالنعمي ينهجُ نهجًا حذرًا في تقييمه للمسائل العالقة في الخطاب الروائي، مشيرًا إلى أهمية التشكُّل المعرفي لهذه التجارب التي سوف يدرسها، بعد أنْ وجه سؤاله للقارئ لماذا رجع البصر؟، وذلك لكي يقدِّم له رؤيته التي سيختطها في قراءاته للنماذج المنتقاة.
 ولم يصرِّحْ الناقدُ عن اتباعه لأيِّ منهجٍ، لكننا نلمحُ من خلال رؤيته أنَّه استفاد إلى حدّ ما من المنهج التاريخيِّ في تمهيده، أمَّا في قراءاته فقد تعالقَ نقده مع الاتجاهات النقدية الحديثة كــ: علم السرد، ومفهوم الخطاب، والاتجاه الوصفي التحليلي، والتفكيكي والبنيوي التكويني، وذلك سعياً للتكامل مع معطيات النقد الحديث المستمد من مقولات "جورج لوكاتش"، و"ميشيل فوكو"، وغيرهما.
واستندتْ قراءاتِه عندما استعرض مسيرة الرواية السعودية على المعطى الزمني: (أخذت الرواية السعودية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في الحضور بشكل لافت للانتباه)()، لكنَّه يقسِّم ويفصِّل وفق خط تاريخي تعتمدُ على رؤية انطباعية، ومخزون نقدي واعٍ، ليجمع أكبر قدر من المبدعين لتشكيل عالم سردي يصلح للتنظير، وليفتح للقارئ أو الناقد قراءة الرواية السعودية، وهو عندما يستعرض هذه المراحل التاريخية يلحقها بأحكام استباقية يبرر موقفه منها: (غير أن تجربة حامد دمنهوري في رواية ثمن التضحية تمثل تطورًا نوعيا مهمًا في مسيرة الرواية التي بدت بطيئة جدًا)()، ويختطُّ النعمي طريقة واتجاه عند تناوله لهذه القراءات، يقول: (في الصفحات التالية يتوزَّع الحديث بين الإجمال والتفصيل من خلال قراءات يوحِّدُ بينها اهتمامها بالمشهد الروائي المحلي من حيث قضاياه العامة، ومن حيث الخطابات التي تشكِّل توجهاته، كما يأتي الوقوف أمام بعض التجارب كتجربة المشري الروائية من أجل الكشف عن جمالياتها والقضايا التي تثيرها، بالإضافة إلى قراءات ومقاربات لأعمال روائية مفردة، تعدُّ مفاصل مهمة في مسيرة الرواية المحلية)()، ومما نتلمَّسه في قوله، هو حرصه على اختيار الكتابة عن الروائيين السعوديين والروائيات السعوديات الذين كان لهم اهتمام بالمشهد الروائي المحلي من حيث قضاياه والخطابات التي تشكل توجهاته، بالإضافة إلى تعددُّ الرؤى المنهجية المتبعة في هذه القراءات.
وبعد أنْ وضع مدخله الذي تضمَّن نظرةً عامَّةً إلى واقع الرواية وتطوُّرها في السعودية، وزَّع هذه القراءاتِ بشكلٍ عشوائيٍّ دون أنْ يكونَ هناك رابطٌ يجمعها من حيث الترتيب الزمني، وبدأ فصله بقراءة في (سمات التجربة الروائية)، وهو يزعم في تمهيده على أنَّها فصول: (وأحسب أنني تطرَّقتُ إلى بعض هذه القضايا في الفصل التالي عن سماتِ التجربة الروائية في السعودية)()، علمًا أنَّها ليستْ كذلك، إذ لم يعتمدْ على التقسيم العلمي أو البحثي، بل هي عبارة عن قراءات للتجارب الروائية، ألقيتْ في مؤتمرات وملتقيات سأشير إليها لاحقًا، وهو بهذا لم يعطِ لدراسته شكلا أكاديميًّا، من حيث تقسيم دراسته إلى فصول، وإنما انتقى ما يتناسب مع رؤيته التي طرحها في كلِّ قراءة، ثم خصَّص حيزاً لتحليل النماذج الروائية التي اختارها والتي بدأها بــ: (خطاب الإقصاء والإحلال في الرواية النسائية السعودية)، وهي قراءة قدِّمت ضمن ملتقى جماعة حوار، بنادي جدة الأدبي الثقافي منذ انطلاق الجماعة في عام (2003م)()، أما القراءة التالية فكانت بعنوان: (الكتابة السردية بين تنظير الروائي وتطبيقه: دراسة في روايات عبد العزيز مشري)، والتي نشرت ضمن بحوث المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين في الجزء ( 4، في 1420هـ/ 2000م)، جامعة أم القرى، والدراسة التي تليها كانت بعنوان: (مشروعية الأقنعة: الأبنية المتداخلة بين روايتي العصفورية وأبو شلاخ البرمائي)، شارك بها في ملتقي نادي القصيم الأدبي (2003م)، حول محور الرواية بوصفها الأقوى حضوراً، في حين انفرد الكتاب بثلاث قراءات لم يشارك بها ولم تنشر قبلاً، وهي: (ثمن التضحية "جدل الفعل والرؤية")، (الوجود المزدوج تبرير لتوسيع دائرة السلطة "قراءة في رواية الطين")، و (رواية خاتم والوجود المزدوج)، وهي قراءات سريعة غير معمقة، بل تتطلب قراءة أخرى متأنية ومستفيضة.
ومن خلال هذا الاستعراض السريع لمدخل الكتاب، نتساءل:
    • - هل التزم الناقد منهجًا أو اتجاهًا معينًا، في قراءاته النقدية أو اختطَّ لنفسه طريقة أو رؤية واضحة وموحدة، كما وضَّح في تمهيده؟ 
أشرتُ سلفًا أنَّ الناقد النعمي، بدأ فصله، بمعالجة سمات التجربة الروائية، وحَّدد أربع سمات، أوجزها في:
    • الرواية وأبناء القرية.
    • غياب المجايلة.
    • غياب المكان.
    • النفط والرواية.
وأثارَ الناقدُ في حديثه عن هذه السمات مجموعة من التساؤلات، يصفها ويحللها، يقول في نهاية قراءته لهذه السمات: (في هذا القول الموجز أردت أن أبين تجربة الرواية المحلية والملامح الخاصة التي تميزها عن غيرها من التجارب، وهي نقاط تحتاج إلى مزيد من البحث والمراجعة، وإنما قامت الرغبة في إثارتها لمزيد من الحوار الذي يؤكد اتجاه التفكير فيها أو يسعى إلى استبدالها بما يعزز تشخيص المشهد الروائي بطريقة مغايرة)()، إنَّه يصفُ الظاهرةَ ويحلِّلَها بشيءٍ من التفصيل، يقولُ عن الرواية وأبناء القرية: (هناك، مفارقة صارخة يلحظها من يتأمل المشهد الروائي المحلي، وهي أن جل من يكتب الرواية المحلية من أبناء القرى الذين يعيشون بوجدان القرية في المدينة، إنهم سدنة لقراهم، بل روائيون برسم قروي، ولا ضير في ذلك، لكنها ظاهرة لافتة للانتباه، بل سمة يجب التوقف عندها)()، ويقولُ أيضًا عن غياب المجايلة: (هل هناك مرجعية محلية لهذه الروايات يمكن تشخيصها وتحديد سمات التقارب والتباعد مع ما سبقها من روايات الأجيال الماضية..)()، محاولاً ردَّها إلى عوامل اجتماعية أو تاريخية باحثًا عن أصولها، ونجده يقاربُ في رؤيته على التفسير؛ لكي لا تقتصر أحكامه التقويمية على الانطباعات والآراء الذاتية: (وعليه، فإنَّني أعتبر الروائيين الذين ينشط في أعمالهم الحس القروي مفتقرين لمعايشة المدينة، لا نقصًا فيهم، ولكن لعدم بروز ملامح المدينة بشكلٍ كامل)()، لكنه يعتمدُ أحيانًا على مخزونه الإبداعي كقارئ، أو على محفوظات الذاكرة: (وتحضرني رواية الحفائر تتنفس لعبدالله التعزي .. )()، ممَّا يعني أنَّ التذوق والانطباعية لا تفارقه في تحليله وتأويله.
وتجلّت أصداءُ بعض النقود التقليدية مثل التي وجدنا رجع صداها في: (الرواية بين النظرية والتطبيق، جوانب من الأدب والنقد في الغرب، نجيب محفوظ: الصورة والمثال، في حبِّ نجيب محفوظ)، وكذلك دخل في النسيج شذرات من النقد الحداثي، وقد تمَّ هضمُ كلِّ هذه الشذرات وبلورتها عبر نص "نعيمي" نقدي يتميز به الناقد، وينفردُ به. 
واستطاعَ الناقدُ أنْ يوظِّفَ بعض التقانات، كتقنية الـــ(كولاج Collage)() في البناء السردي، في قوله: (غير أن المتتبع لواقع الرواية المحلية يلحظ أن المكان في بعض الروايات مجرد كولاج)()، وكذلك (الجمل الحوارية، أو المنولوج الذاتي)()، مستأنسًا بمعطيات السرد الحديث.
بعد قراءة سمات التجربة الروائية، يخصِّص بقية صفحات كتابه لقراءات متنوعة عن الرواية السعودية، يبدأها بتجربة المرأة الروائية السعودية، والتي جاءت بعنوان: (خطاب الإقصاء والإحلال في الرواية النسائية السعودية)، فقد اهتم "النعمي" في تمهيده بمضمون أدب المرأة الروائية وحدوده، وهدف إلى تقديم مشهديَّة عامة لهذا الإبداع النسائي ورصد تطوره ابتداءً من أوائل ستينيات القرن العشرين عندما ظهرت أولى الروايات النسائية في السعودية، حتى أواخر السبعينيات منه: (بدأ حضور الرواية النسائية في المملكة متأخرًا كثيرًا عن رواية الرجل، فقد ظهرت الروايات الأولى التي قدمتها سميرة خاشقجي في مرحلة الستينيات الميلادية، ثم تبعتها بعض الكاتبات من أمثال هند باغفار وهدى الرشيد في أواخر التسعينيات عندما بدأت رجاء عالم في تقديم تجربتها المختلفة من حيث الكم وطريقة التناول وطبيعة الموضوعات الأثيرة لديها وخاصة رغبتها الدائمة في اكتشاف ميتافيزيقية الواقع إذا جاز التعبير)()، ثم يطرح الناقد في حديثه عن خطاب المرأة مجموعة من التساؤلات، مشيرًا إلى المادة المدروسة أو كمية النماذج المختارة التي اعتمدها في دراسة الكتابة عند المرأة: (هذه مدارات وأسئلة سنسعى إلى استجلائها من خلال النظر في خمس عشرة رواية نسائية مع محاولة ربطها بمفهوم الخطاب، حيث لا ينبغي عزل الكتابة النسائية عن واقع الثقافة التي تقع تحت هيمنة الرجل)()، وقد أوجز في ورقته المذكورة آنفًا مهام دراسته، وهي كالتالي:
- عرض ظروف ولادة ومراحل تطور الرواية النسائية السعودية، بإيجاز.
- أثار عدة تساؤلات حول غايات المرأة في الكتابة، واستخدام الرواية كأداة لفضح خطاب الرجل المهيمن بثقافة الكتابة، وغيرها من التساؤلات.
- عرض لقراءة نقدية للروايات النسائية في فترة الستينيات وحتى أواخر التسعينيات.
- اختار خمس عشرة رواية نسائية كنموذج.
- ربط هذه النماذج المنتقاة بمفهوم الخطاب.
- ركَّز على مفهوم الإقصاء والإحلال من خلال زاويتين:
- الأولى: دلالة المكان وغيابه في رواية المرأة.
- والثانية: إقصاء الرجل وتنصيب المرأة.
- أشار إلى تفكيك الخطاب الذي تتكئ عليه رواية المرأة.
وبعد أن يقدِّم قراءته التاريخية الفنية عن بداية رواية المرأة، ومدى ضعفها ونضوجها، يعالج مصطلح "الخطاب"، ويعرِّفه بناء على علم السرديات بعد أن يوثقه من كتاب: (مقولات السرد الأدبي) لـــ"تودوروف"، ثم يشيرُ إلى تعريف "ميشيل فوكو"، الذي يرى أنَّ الخطاب مفهوم ينظر له على أنَّه (الحمولات الفكرية والتقاطعات السياقية بين أكثر من معطى تاريخي أو ثقافي أو اجتماعي أو سياسي، حتى تؤثر هذه الحقول في الممارسة الاجتماعية من ناحية، وفي المسلك الفردي من ناحية أخرى)()، وأشار إلى أنه قام باستقراء خمس عشرة رواية نسائية، مع محاولة ربطها بمفهوم الخطاب، مؤكِّدُا على أنَّ هذا العمل النقدي هو عبارة عن ورقة، يقول: (ستركِّزُ هذه الورقة على مفهوم الإقصاء والإحلال من زاويتين.. )()، ثم يحلل مجتمع هذه الروايات، بعد أن يختار منها ما يتلاءم مع خطاب الإقصاء: المكان / الرجل، ثم يشرح أحوال الخطاب وخصائصه لدى المرأة الكاتبة في هذه الروايات، وقد اتَّصف نقده هذا بوصفِ الظاهرة وتحليلها مستعينًا بمعطيات السرد الحديث مفهوم الخطاب وآليات الاشتغال عليه، ولم يضف لمفهوم الخطاب شيئًا جديدًا، فقد انطلق في مفهومه للخطاب النسوي من المفهوم الغربي، ، ذلك أنَّ النسوي تحتم عليه استخدام هذا المصطلح، فخطاب المرأة الروائي السعودي الذي طبقه هو خطاب ينطبق على الخطاب النِّسْوِي عالميًا، والمرأة في كل أنحاء العالم تطالب بالخروج من هيمنة الرجل؛ لأنَّها ترى نفسها مقصيَّةً ليس فقط من عالمه، بل إنَّ الإقصاء قد تعداه للمكان، فأغلب الروايات النسائية عربيّا وعالميًا، ما هي إلا تعبيرٌ ذاتي عن أوضاع المرأة وأزماتها الشخصية والنفسية في مجتمع ذكوري، وهو بذلك يستمدُ رؤيته هذه من رؤية النقد النسوي من أن "تعريف المرأة وهويتها تنبع دائمًا من ارتباطها بالرجل، فتصبح آخر (موضوعًا ومادةً)، يتسمُ بالسلبية بينما يكون الرجل ذاتًا سمتها الهيمنة والرفعة والأهمية"()، ويكتفى بشرح هذه الرواية أو تلك حينما عالجَ  أزمة المرأة مع المكان، وإشكاليتها مع الرجل، وهو بذلك يستفيدُ من المكان كعنصرٍ من عناصر العمل الروائي، فالرؤية لديه تفتح لأبحاث أخرى تستكمل  زاوية النظر البحثية التي بدأ منها "النعمي" في هذا المجال، وقصر شرحه على موضوعات الرواية وأفكارها المطروحة من خلال مفهومي الإقصاء والإحلال، دون العناية بفنية هذه الروايات كقوله عن رواية: "غدًا سيكون الخميس": (حيث تعالج مشكلة المرأة في علاقتها بالرجل في مجتمع بدا أنه لبنان، غير أنَّ إحالات المعالجة تتجه إلى وطن الكاتبة)()، ولكنه يتوقف قليلا ليعطي حكمًا سريعا عن النواحي الفنية لرواية المرأة، يقول: (فالمرأة تكتب بحسِّ الإدانة المسبقة للرجل، بحسِّ الرغبة في التجاوز وكسر القيود، فتتحوَّل كتابتها إلى نص مقاوم يفتقد أحيانًا مبرر وجوده الفني، وربما يفسر ذلك ضعف أغلب هذه الروايات من الناحية الفنية)()، ويرى الناقدُ في تقويمه الختامي أهمية قراءة رواية المرأة من منظور الخطاب النسوي؛ لأنَّه يتيحُ فرصة الوقوف عند نقطة استخدام الجمالي لتبرير مواقف مسبقة.
وفي النهاية يثيرُ السؤالَ الذي يعلنه في كلِّ قراءة، مطالبًا المتلقي في كشف آلية اشتغال الخطاب النسوي: (إنَّ دور المتلقي في كشف آلية اشتغال الخطاب تبدو عملية حاسمة في تلقي هذه الأعمال عمومًا، وفي استنتاج رؤية توحِّد بين هذه الكتابات التي تتكرَّر فيها الثيمات المختلفة)()، وهذه الأسئلة المثارة تؤكِّدُ على أنَّ الناقدَ يعي خصوصية المشهد الروائي السعودي، ويعي أنَّ هذا الكتاب ما هو إلا قراءات تحتاج إلى قراءات متعمقة أخرى، ومن الجليَّ، فإن "النعمي" قد حللَّ بعمق خطاب المرأة في الرواية السعودية، ولكنه لم يستنطق النص لغويّا، ولم يبين أثر المبدع والمتلقي فيه، وإنما ترك الأسئلة للقارئ الناقد الحصيف.
وجاءت القراءة التالية، حاملةً لعنوان: (الكتابة السردية بين تنظير الروائي وتطبيقه: دراسة في روايات عبد العزيز مشري)، وقد أثرى "النعمي" في حديثه عن تجربة المشري، الاتجاه الوصفي التحليلي بالمنهجية البنيوية التكوينية وتعالقاتها مع مفهوم الخطاب، وعلم السرد، ولا سيما تحليله لأبنية الروايات السردية ومنظور الراوي، وبناء السرد الروائي، واللغة.
أعلن "النعمي" في مفتتحِ دراسته عن تجربة "المشري" بإثارته لسؤال، ما إذا كان بإمكان المبدعِ أنْ يحوَّلَ أفكارَه ورؤاه النظرية داخل العمل الفني، مشيرًا إلى أنَّ "المشري" قد بثَّ آراءه وفلسفته في الكتابة الروائية في كتابه: "مكاشفات السيف والوردة- 1996م"، وأكّد أنه سيناقش في تقديمه لهذه الدراسة الحديث عن تجربة المشري في رواياته بدءًا من "الوسمية" (1985م)، و"الغيوم ومنابت الشجر" (1987م)، و"الحصون" (1992م)، و"ريح الكادي" (1993م)، و"صالحة" (1997م)، مستثنيًا رواية "في عشق حتى" (1996م)، كونها تمثل تجربة مختلفة عن تجربة القرية التي سادت في الروايات الأخرى، ثم يخصِّص دراسة موجزة عن تجربة المشري ورؤيته من خلال كتابه: (مكاشفات السيف والوردة)، يقول: (يسجِّل الكاتب في هذا الكتاب وعيه بالكتابة كمعطى معرفي وإبداعي يسعى إلى التقاط العادي والمستهلك في نسق الحياة اليومية ليصبح ذا قيمة إنسانية كبرى)()، وقد جمع الناقد بين خصائص المنهج البنيوي التكويني، وبين الاتجاه الموضوعي والفني، فالموضوعي حين صنف روايات المشري على أنها روايات اجتماعية تناقش القرية والتحولات الاجتماعية: (ومهما يكن فإن روايات المشري، الخاضعة للدراسة هنا، تعدُّ تمثيلاً موضوعيًا للواقع الاجتماعي الذي يعبر عنه الكاتب)()، أمَّا الفني، فمن خلال الإشارة بأنِّ الواقعية هي المنهج الذي تبناه الكاتب()، يقول: (إنَّ الكاتب يعلن صراحة انتماءه للواقعية، في دأبها على تسجيل الظواهر الاجتماعية من عادات وتقاليد)()، محاولا تتبع الظاهرة الاجتماعية، يقول: (غير أنّ السمة البارزة التي تستغرق هذه الروايات هو تسجيل الظاهرة والاعتناء كثيرًا بإبراز ملامح الصور الاجتماعية من عادات وتقاليد وأفراح وممارسات طقسية في المواسم الزراعية)().
ثم يفحص الروايات الخمس بشيء من التفصيل، محللاً إياها من خلال موقف الروائي من التحولات الاجتماعية للقرية التي أمعن في دراسة موقفه منها، واستطاع أن يقدِّم دراسة مستفيضة عن الروايات ودعم هذه الدراسة بشرح لمتن الروايات بحدود صفحتين لكل رواية شارحًا محتواها والتحولات الاجتماعية أو الموضوع الذي شغل هذه الروايات والتي جعلتها تندرج جميعًا في ثيمة واحدة، وحلل من جانب آخر الأبنية السردية: (وفيما يلي سنتوقف لنرصد تمايز البنى السردية في روايات الكاتب لنقف على جماليات الفعل السردي الذي جعل منه الكاتب القيمة التي تحمل الدلالات الفلسفية لمضمون أعماله)()، وقد عمَّق "النعمي" استخدامه للمنهج البنيوي التكويني ليثري تحليله الاجتماعي (قضية القرية)، والفني، المتمثِّل في المنهج الواقعي لهذه الروايات، وربط الشكل بالمحتوى في معالجة قضية الإنسان وهمه الاجتماعي، دون أن يغفل التشكُّلات السردية، أو تعامله مع اللغة التي يرى أنها تعبيرٌ مباشرٌ عن الواقع الذي تجسده الرؤية السردية().
ولا يفارق تحليله وتفسيره للروايات الرؤية الانطباعية في تقديره للموضوعات، أو حكمه على روايات المشري، حين يقول: (إن روايات المشري لا تركن إلى أن ما يحدث هو صيرورة تاريخية حتمية، بل إنها تجادل لصالح الزمن الماضي بوصفه النموذج الذي يجب أن يبقى إذا كان البقاء سيعيد إلى الإنسان نقاءه وصفاءه)()، أيضا نجده يطلق الأحكام المسبقة، ويستخلص النتائج قبل أن يستعرض الروايات، كقوله: (وهذا ما تحفل به روايات المشري التي تقدم نفسها بنية دلالية)()، وقوله: (إن تجربة المشري تجربة غير عادية من حيث استمراريتها وتركيزها تقريبا على قضية واحدة تحولت في معظم أعماله إلى موتيف متكرر)()، وهو هنا يتناول التيمة الموضوعية، وهي (الموتيف)، ولا يكتفي بذكرها، بل يشرحها في هامش الدراسة.
ويوجز الناقد تطبيقه لهذه الروايات بحدود ست صفحات، مركزًا على المحاور الثلاث التي ناقشها في الروايات، وهي: المكان، الإنسان والهم الاجتماعي، لقد استفاد "النعمي" في دراسته لتجربة المشري من المنهج البنيوي التكويني من حيث رؤية العالم، لكن هذه الرؤية لا تتجاوز رؤيته الخاصة- ، ذلك المنهج الذي يعنى بالموضوع في بعده الاجتماعي لدى التعمق في تحليل الأبنية السردية، ومدى كشف المعادل الموضوعي في تراكيب المنظور السردي، (لقد راهن المشري على البنية السردية كعامل فني سعى إلى تطويره من رواية إلى أخرى، وإذا كان المشري قد استطاع إلى حد ما أن يشكِّل رواياته وفقًا لهذه المعادلة الفنية، فإن طبيعة الموضوع المضمون الواقعي الذي كرسه الكاتب في أعماله ساعده على تبني هذه الاستراتيجية)().
أما الدراسة التي تليها فكانت بعنوان: (مشروعية الأقنعة: الأبنية المتداخلة بين روايتي العصفورية وأبو شلاخ البرمائي)، يمهّد الناقد لدراسته هذه بتساؤلات عن تجربة غازي القصيبي في تكراره لهذين العملين: (فبين العصفورية الصادرة في عام 1996م، وبين أبو شلاخ البرمائي الصادرة في عام 2000م، أكثر من علاقة نسب، فهما عملان سرديان لكاتب واحد، وهما يقومان على مكونات بنائية متطابقة)()، بعد أن يقدم تعريفه بالعملين، يشير إلى البنية النصية، وبنية الحكي فيهما، وقد استفاد من آليات المنهج البنيوي في توصيف جماليات كل عمل: (هذه أسئلة ستشغل مناقشتنا في هذه الورقة من أجل محاولة الوصول إلى وعي أكبر، ويحسن في البدء أن نعرف بالعملين والوقوف على جماليات كل عمل على حدة)()، وعزز توصيفه هذا بالبنية النصية، التي اعتمد فيها على تقنية واستراتيجية الدخول والخروج في العملين، وببنية الحكي باستخدامه لتقنية التناص واستنطاق الراوي، يقول: (إنّنا بحاجة إلى قراءة العملين بتأمل عميق يكشف ويدقق في لعبة التكرار التي مارسها الكاتب)()، ويعاود  هنا أيضًا إطلاقه للأحكام المسبقة وافتراضها، يقول: (وليست مبالغة عندما نفترض أن بناء العملين على قدر بساطته أنجز قدرًا عاليًا من كسر نمطية السرد التقليدي)()، وقد أثرى قراءاته هذه بتوضيحه لبعض المفاهيم، معتمدًا على مقولات بعض النقَّاد، من ذلك عندما يشير إلى ملمح استنطاق الراوي أو دفعه للحديث، نجده يستحضر مقولة عبد الفتاح كيليطو: (فهناك، "قاعدة شبه عامة وهي أن السرد يكون جوابًا عن سؤال أي تلبية لرغبة أو طلب قد يكتسي صبغة الأمر")().
بعد أنْ يقدِّمَ تحليله وتفسيره عن نقاط التلاقي التي تجمعُ بين العملين في البنى، يشيرُ إلى علاقة التمايز والتي ظهرت في ازدواجية الخطاب/ والثقافة، وفي ختام دراسته يثيرُ مجموعة من التساؤلات المحملة بالاستفزاز لحثِّ القارئ الناقد على مواصلة قراءة هذه الأعمال ضمن سياقها الإبداعيِّ المحليِّ.
ومَّما يلفتُ الانتباه في هذه الدراسة أنَّ الناقدَ قدَّمها في ثلاثة كتبٍ قام بتأليفها، وهي: (رجع البصر 2003م، الرواية السعودية واقعها وتحولاتها 2009م، بعض التأويل مقاربات في خطابات السرد 2013م)()، مع إضافة (ثيمات الخفاء، وسردية القناع)، في الكتاب الأخير، والسؤال الذي يطرح نفسه: - لمَ تكرَّرتْ هذه القراءة الواحدة في هذه الكتب الثلاثة؟
في حين انفرد الكتاب بثلاث قراءات لم يشارك بها ولم تنشر قبلاً، وهي: (ثمن التضحية "جدل الفعل والرؤية")، (الوجود المزدوج تبرير لتوسيع دائرة السلطة "قراءة في رواية الطين")، و (رواية خاتم والوجود المزدوج)، وهي قراءات مفردة وسريعة غير متعمقة، ويعترفُ "النعمي" في حوار أجراه في صحيفة "الشرق الأوسط"، من أنَّ القراءات المفردة لروايات بعينها، لا تشكل نقدًا معرفيا()، ويعاود في هذه القراءات المفردة إطلاق الأحكام المسبقة، وتعليله لها: (القول بأن ثمن التضحية لحامد دمنهوري، هي أول رواية فنية في الأدب المحلي، قول أملته القفزة النوعية التي تحققت في هذه الرواية)()، ويعلل سبب ذلك من كونها استفادت من تواصلها مع الرواية العربية، ويقول عن الطين: (تأتي رواية الطين 2002م، للروائي عبده خال بوصفها واحدة من الروايات الخارجة عن سياق الرواية السعودية، ليس في موضوعها فحسب، بل في تكنيكها، فهي رواية متجاوزة على صعيد التكنيك، والفكرة، واللغة، وربما تكمن طرافة الرواية في أنّ القارئ جزء من تركيبة الرواية بهواجسها)()، وأيضًا نلحظ تكرار هذه القراءات في بقية الكتابين.
ويستحضر مقولات لبعض النقاد السعوديين، كالدكتور "منصور الحازمي"، الذي قدّم لرواية "ثمن التضحية"()، وممَّا يلاحظ على  العملين الأخيرين في هذه القراءات المنفردة، خلوهما من المصادر والمراجع والهوامش، مَّما يعني أنّه قام بإضافتهما ليكملَ بهما مسيرة التجربة، وتوسَّع في "كتابه الثاني"، الموسوم بـــــ: (الرواية السعودية واقعها وتحولاتها)، بدراسة بعض التجارب الروائية، ولكنه لم يقدِّم إضافات جديدة في البناء الفني السردي.


    1. 1-3 في تشكُّل  الرؤية النقدية في السياق المنهجي للناقد:

في حوار صحفي في صحيفة الحياة()، يؤكد "النعمي" بعد أن سُئِل عن نيَّته في استمرار مشــروعه النـقــدي، من خلال طرح أجزاء لاحقة تـواكــب  التطـورات المرحلية لمسيرة السرد المحلي، أنه يركز في نقده وقراءاته على رصد المنجز السردي السعودي؟، يقول: (لا أدري إن كان يحق لي تسميته بالمشروع، لكنني معني برصد المنجز السردي، خصوصاً الروائي في السعودية بحكم اتصالي المباشر بتجربة الرواية السعودية قراءة ودراسة ومواكبة لتطورها، واهتمامي بالسرد يأتي من منطلق اضطلاعي بالكتابة السردية أولاً، وثانياً للتخصص في الدراسات السردية. 
والرواية كما هو معروف عند مؤرخيها (بنت المدينة) التي نشأت مع البرجوازية في الغرب ووجودها لدى العرب جعلها تلاقي قابلية عربية وأصبح لها خصوصيتها، لذلك فــ"النعمي" يركزُ بشكلٍ كبير على التقاطعات بين الرواية من ناحية، وبين المجتمع خصوصاً في تركيبته المحافظة، فهي شكلٌ من أشكال الحداثة، تعيش في مجتمع ذي بنية محافظة مركَّبة من الديني والاجتماعي، وهو مجتمع يكرِّسُ القطيعةَ مع المنجزات الحديثة في شؤون الفكر والثقافة، لكنه يندفع لاحتضان ما سواها من التطورات المادية المعقدة.
وعن دواعي استكمال هذه المسيرة في الاهتمام بالمشهد الروائي السعودي وخصوصيته، يؤكّدُ أنَّ ذلك أمر حتمي، أولاً بداعي تخصُّصه، وثانياً  ليكمل منظومة الأفكار التي يتعقبها في مضمرات الخطاب الروائي، ذلك أَّنَّه مهتمٌ بالرواية بوصفها خطاباً أدبيًا يعالجُ قضايا المجتمع وليس باعتبارها وثيقة اجتماعية. 
وبالفعل يواصلُ "النعمي"، هذه المسيرة، ولكن بإيعاز من وزارة الثقافة والإعلام، فيؤلِّف "كتابه الثاني" الذي جاء بعنوان: (الرواية السعودية واقعها وتحولاتها)، ولا يبتعد كثيرًا عن طريقة اشتغاله في سابقه، ويمكننا وضع الكتابين في سياقٍ نقديٍّ واحد ومتقارب على طريق تشكُّل الرؤية المنهجية لخطابه النقدي. 
ويتبدّى في مقدمة هذا الكتاب _الرواية السعودية واقعها وتحولاتها_حرصه على الإشارة إلى المنهج المتبع في اختياره للأعمال الفنية: (إذن منهج الكتاب منهج انتقائي، غايته بيان رؤية شاملة عن الرواية، تقوم بدور التعريف لا بدور الاستطراد والاستقصاء)، مؤكِّدًا على أنه سيأخذ من المناهج ما يتناسب مع العمل بحيث يوظِّف التحليل إن استدعى الأمر ذلك، ويشير إلى الظواهر إن احتاج النص لذلك أيضًا، معتمدًا في كل ذلك على فطنة القارئ. 
ففي هذا الكتاب يرصد الرواية السعودية معتمدًا على منهجه التاريخي –الذي اعتمده في الكتاب الأوَّل-، ولكن بشيءٍ من التفصيل، مستعرضًا المسيرة التاريخية للرواية السعودية، ومراحل تطوُّرها في الفصل الأول من الكتاب، ولن يعتمد اعتمادًا كليا على الجانب الوصفي التاريخي، وإنما سيسعى إلى الاستدلال على المكونات الموضوعية لتطوُّر الرواية عبر مراحلها()، أمَّا الفصل الثاني، فيتناول (مضمون الخطاب الروائي)، ويكشف فيه عن أبرز المواضيع التي تناولتها الرواية السعودية، وهي: 
    • - الآخر في الرواية.
    • - جدل العلاقة بين القرية والمدينة في ضوء المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
    • - وموقع الرجل في الرواية النسائية.
ولا يغفل ذكر الاتجاه الذي سيعتمده في هذا الفصل، إذْ إنه يحرص على أن يكون وقوفه أمام هذه الموضوعات أكثر من مجرد إثارة للموضوع، بحيث يتوخَّى استنطاق الدلالات الخفية في تكوين الخطاب الفكري والمعرفي وراء هذه الموضوعات().
 وعالج في الفصل الثالث، (تطور البناء السردي)، وقدَّم قراءة للرواية من داخلها، فهو يسعى لاستكشاف أبرز السمات العامة من حيث استخدام التقانات السردية والعمل على توظيفها في النص، ثم أشار إلى أنه سيقفُ عند التطورات الجمالية لدى روائيــي كل مرحلة، مع ربطها بالمنجزات اللاحقة في المراحل الأخرى().
ما يلاحظ على الكتابين أنهما يسيران في اتجاه واحد، إلا أن المنهج في (الكتاب الثاني) كان أكثر نضوجًا ووضوحًا، ومن الملاحظ أيضًا أنَّ أغلب الأعمال التي تناولها وتطرَّق إليها هي ذاتها التي تناولها في (الكتاب الثاني)، إلاّ أنَّه كان أكثر تنظيمًا وتقسيمًا فالمدونات أو النماذج المدروسة هي ذاتها، وبالأخصِّ في (الفصل الثالث)، الذي تناول فيه تجربة: "المشري، والقصيبي، وعبده خال، ورجاء عالم"، فقد قدَّمها كما هي في (الكتاب الثاني)، و قد يغير في المسميات كما فعل في (الفصل الثاني) عندما ناقش (مضمون الخطاب الروائي)، ويتوسَّع قليلاً في التحدث عن بعض الروايات كرواية "التوأمان"، و"البعث"، أوقد يضيف بعض الروايات التي ألِّفت بعد نشر (كتابه الأول)، من ذلك عندما يقدم للآخر في تجربة "المحيميد" في "فخاخ الرائحة"، وحين يستعرض خطاب المرأة وموقع الرجل في الرواية النسائية، يضيف ويغير بما يتناسب ورؤيته المطروحة في الفصل، وكذلك الأمر نفسه عندما يتحدث عن جدل العلاقة بين القرية والمدينة، ويقدِّم تجربة المشري، وهي ذات القراءة التي استعرضها في (الكتاب الأول). 

ما يعنينا في هذا الاستجلاء السريع الإشارة إلى أن "النعمي"، كانت لديه رؤية واضحة لهذا المشروع، وإن اختلفت طريقة تناوله للاتجاهات النقدية ولرؤيته للأعمال الفنية التي عالجها، وتطرَّق إليها، فعلى الرغم من أنَّ "الكتاب الثاني" يسير وفق "الأول" في الأعمال والنماذج الروائية المدروسة وطرق التعاطي معها، وهو بذلك لا يضيف جديدًا، ولن أكونَ متجنية إنْ قلتُ بأنَّ الكتاب "الثاني" هو نسخة أخرى منقحة من "الأول"، مع تغيُّر طفيفٍ من حيث التنظيم الشكلي والإضافات الخاصة بالتجارب الروائية، وكان الأولى به أن يسميها نسخة منقَّحة، ومعدَّلة، ومع هذا فــــ"النعمي"، كان معنيًّا برصد المنجز السردي، وخصوصًا قراءة المشهد الروائي السعودي، وهذا يحسب له.

    1. 1-4 في شعرية اللغة:

يظهر لي - من خلال اطلاعي على المشهد الروائي النقدي السعودي، وعلى أعمال الناقد "حسن النعمي"-، قلَّةَ إنتاجه النقدي الروائي، وهو عندما يتناول النص الروائي، فإنَّه يتناوله بروح المبدع، وفي هذه الحال يتحوَّل النقد لديه إلى عملية إبداع يحركها إبداع آخر، ومن خلال استقرائي السريع لأعماله من خلال كتبه، نجده قد اعتمد في نقده على لغة أقرب إلى روح الإبداع، فهو قاصٌّ في المقام الأوَّل، وناقد في المقام الثاني، إذ يمازج بين هذه اللغة الشعرية المبدعة، وبين المصطلحات العلمية والنقدية والمفاهيم التي تعتمدها معطيات السرد الحديث، تلك التي لم يثقلها بالمصطلحات النقدية، أو التقسيمات الأكاديمية، والناقدُ لديه مقدرة سردية تجعل أعماله النقدية كمسرودات تجذب المتلقي لحكايتها الخاصة كما أنها تتغذى على السردية الأم (القصّة والرواية)، التي يشتغل عليها السرد النقدي وهذا يحتاج إلى بحث بمفرده.


    • - استنتاجات:

وصفوة القول، فقد سعى الناقد لتطبيق معطيات السرد الحديث في كتابه الأوَّل، إلاَّ أنِّ  الملاحظ على هذه القراءات، التالي:
أولاً: عدمُ اتباعه في (كتابه الأول) لأيِّ منهج واضح، على عكس (الكتاب الثاني) الذي اختطَّ فيه لنفسه طريقة واتجاهًا واضحًا في كلِّ فصلٍ من الفصول الثلاثة، بحيث إنَّه في (الكتاب الأول) لم يصرِّح بخطوطِ المنهج، وقد يخلطه أحيانًا بانطباعه الجواني، وهو يرى: أنَّ الانطباعية ليست كلها فاسدة كما يعتقد البعض، لأنَّ المحرك الذاتي جزءٌ من المنظور النقدي، كما أن المتابعات النقدية للأعمال المفردة يغلب عليها الجانب الانطباعي تبعا للسرعة في الإنجاز()، وهذا ما وقع فيه عند دراسته للروايتين الأخيرتين، إذ بإمكان الناقد أنْ تكونَ لديه رؤيته الخاصة غير الأدوات المعرفية والمنهجية، ويجب عليه أنْ يكون قلقًا ومتطلعًا لمزيد من التجارب، فالناقد – على حدِّ قوله- يجب أنْ يكون حريصًا كالمبدع حتى يستطيع تقديم استكشافات معرفية من خلال التجارب الجديدة، كما يتوجب على الناقد أنْ لا يكون أسيرًا لضيق المنهج، بل عليه تطويع منهجه وأدواته لاستيعاب المتغيرات في النص الروائي، وهذه من حيل النقاد المبدعين الذين لا يركنون للقوالب النقدية المدرسية الجاهزة التي تعمي النصوص أكثر مما تنيرها، بمعنى خلق روح من التعاون بين النص الروائي وناقده، فالغاية معرفية، وليست تقييمية في منظور النقد الجديد().
ثانيًا: نضوجُ المفاهيمِ في مقدمة الكتاب، أمَّا في متنه، فلم يضفْ أو يقدِّمْ أيَّة إضاءاتٍ منهجيَّةٍ للقراءات التي كتبها ما بين 2000م : 2003م، وقامَ بنشرها في ملتقيات ومؤتمرات، ولكن مما يحمدُ له أنَّه قدَّم للقارئ الناقد رؤيته، طالبًا منه أنْ يجيب عن تساؤلاته النقدية المطروحة في كلِّ قراءة، وإلى أيِّ مدى أسهم الخطاب الروائي السعودي بخصوصيته التي تميِّزه كرواية عن سائر النصوص في الساحة الروائية العربية؟
وأودٌّ أنْ أشيدَ بأنَّ التجربة النقدية الوحيدة التي تقوم على دراسة واعية برؤية واضحة ومحددة هي قراءته لروايات عبد العزيز المشري.
ثالثًا:كلُّ دراسةٍ من الدراساتِ التي تناولها لها رؤيتها النقدية المختلفة عن سابقتها، مما يعني أنَّها قراءاتٌ متعددة الرؤيات.
رابعًا: اعتمادُه على المراجع ذات الدراساتِ النظرية العربية، وقليلاً من التطبيقية، ولا نلمح أيَّ مؤلَّف مترجم، أو أجنبي عدا مؤلف أجنبي واحد في دراسته لتجربة المشري.
خامسًا: عدمُ تناولِ ما قيل عن تلك الروايات من حكمٍ نقديٍّ، عدا رأي "د. منصور الحازمي" بشأن رواية "ثمن التضحية"، وهو عندما يستشهد برأي ناقدٍ يوافقه من غير أن يناقشه أو يفنِّد مقولته، مما يعني أن أقوال النقاد مسلَّمات.
سادسًا: خلو القراءتين الأخيرتين من الكتاب (رواية الطين، وخاتم)، من المراجع أو الهوامش، وكأنَّه أقحمها إقحامًا ليقومَ بنشر الكتاب، ولكن مما يحسبُ له توقُّفِه عند حدود المصطلحاتِ والمفاهيم المطروحة، مع توضيحها والتعريفِ بها، أو الإشارة إليها في الهامش.
سابعًا: تكرارُ المواضيعِ والنماذجِ الروائية المنشورة في (الكتاب الأول،) وإدراجها في (الكتاب الثاني).
ثامنًا: كثرةُ حديثِه عن الأحكام، وقلَّة حديثه عن التفصيل، وبالتالي فلم يُبِنْ المنهج ولم ينضج لديه بعد.

وأخيرًا:
    • - ألا يستحقُّ "النعمي" البحث في أعماله النقدية بما يليقُ بهذا الجهد الذي بذله والذي كشفت عنه دراستنا المتواضعة، ولعلَّ ما طرحته من دراسة بمثابة تساؤلات جديرة بالقراءة والتأمل في عالم "حسن النعمي" الجميل؟ 

    • الهوامش:
 حسن النعمي، النادي الأدبي الثقافي- جدة، ط: 1، 1425هـ/ 2004م.
()- بكالوريوس اللغة العربية من جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1404هـ / 1984م.
 ماجستير في الأدب العربي من جامعة إنديانا، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1989م.
 دكتوراه في (الفن القصصي) من جامعة إنديانا، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1995م.
يعمل أستاذاً مشاركاً للأدب الحديث ونظرية الأدب والأدب السعودي بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
  • - قاص وناقد أصدر ثلاث مجموعات قصصية:
  1- زمن العشق الصاخب، نادي أبها الأدبي، 1984.
  2- آخر ما جاء في التأويل القروي، نادي أبها الأدبي، 1987.
  3- حـدَّث كَـثيب قال، الكنوز الأدبية، بيروت، 1999.
كتب نقدية: 
- كتاب: (رجع البصر: قراءات في الرواية السعودية). نادي جدة الأدبي، جدة، 2004.    
- قدم وحرر كتاب: (خطاب السرد: الرواية النسائية السعودية)، من إصدارات جماعة حوار، نادي جدة الأدبي، 2007م.
 - كتاب: (الرواية السعودية واقعها وتحولاتها)، 2010م.
  • - شارك في العديد من المؤتمرات، ورأس جماعة حوار بنادي جدة الأدبي منذ عام 2003 وحتى الآن.
()- انظر مادة (رجع):
()- انظر مادة (بصر)، باب الراء، فصل الباء.
  • - معجم لسان العرب، ابن منظور، دار صابر-بيروت، 2003م.
()- انظر مادة (رجع) معجم المعاني الجامع: http://www.almaany.com/
()- المسبار في النقد الأدبي –دراسة في نقد النقد للأدب القديم وللتناص-، د.حسين جمعة، منشورات اتحاد الكتاب العرب-دمشق، 2003م، ص 22.
()- معجم مصطلحات نقد الرواية، د.لطيف زيتوني، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر-بيروت، ط:1، 2002م، ص 132.
()- انظر: 
  • - المسبار في النقد الأدبي –دراسة في نقد النقد للأدب القديم وللتناص-، المرجع السابق، ص 22. 
()- المسبار في النقد الأدبي –دراسة في نقد النقد للأدب القديم وللتناص-، المرجع السابق، ص 22. 
()- الخطاب والقارئ، نظريات التلقي وتحليل الخطاب وما بعد الحداثة، حامد أبو أحمد، كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1427هـ، 86.
()- أدب العصور الوسطى ونظرية الأجناس، هانز ياوس، ضمن كتاب "نظرية الأجناس الأدبية، ت. عبد العزيز شبيل، ص 45:55.
()- المصدر، ص 9.
()- المصدر، ص 11.
()- المصدر، ص 12.
()- المصدر، ص 14.
()- المصدر، ص 14.
()- المصدر، ص 16.
()- المصدر، ص 7.
()- المصدر، ص 8.
()-خطاب السرد الرواية النسائية السعودية، تقديم وتحرير، د. حسن النعمي، الكتاب الأول، 1427هـ.
()- المصدر، ص 13.
()- المصدر، ص 13.
()- المصدر، ص 30.
()- المصدر، ص 21.
()- المصدر، ص 23.
()- المصدر، ص 22.
()- المصدر، ص 21.
()- الكولاج في الأصل مصطلح ينتمي إلى فن الرسم ويعني إدماج مواد مختلفة من الواقع في اللوحة الفنية، وقد وظفت الرواية هذه التقنية واعتمدتها أداة من أدواتها السردية.
  • - للاستزادة حول مفهوم هذه التقنية، انظر: معجم السرديات، مجموعة مؤلفين، إشراف، د.محمد القاضي، دار علي للنشر-تونس، ط: 1، 2010م، ص 358 : 359.
()- المصدر، ص 26.
()- انظر: معجم السرديات، مجموعة مؤلفين، إشراف، د.محمد القاضي، ص 436 .
()- المصدر، ص 34.
()- المصدر، ص 21.
()- المصدر، ص 35.
للاستزادة، انظر:
-  دليل الناقد الأدبي، د.ميجان الرويلي، د.سعد البازعي، المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء، ط: 3، 2002م، ص 155، وما بعدها.
- خطاب الرواية النسائية السعودية وتحولاته، د.سامي الجمعان، النادي الأدبي بالرياض، ط: 1، 1434هـ/ 2013م، ص 23: 44.
()- المصدر، ص 21.
()- دليل الناقد الأدبي، المرجع السابق، ص 330.
()- المصدر، ص 40.
()- المصدر، ص 61.
()- المصدر، ص 21.
()- المصدر، ص 67.
()- المصدر، ص 70.
()- المصدر، ص 69.
()- المصدر، ص 69.
()- المصدر، ص 70.
()- المصدر، ص 89.
()- المصدر، ص 110.
()- المصدر، ص 67.
()- المصدر، ص 89.
()- المصدر، ص 67.
()- المصدر، ص 126.
()- المصدر، ص 132.
()- المصدر، ص 133.
()- المصدر، ص 133.
()- المصدر، ص 132.
()- المصدر، ص 143.
()-النادي الأدبي بالرياض، المركز الثقافي العربي-بيروت، ط: 1، 2013م، ص 69.
()- حاوره، فتح الرحمن يوسف، الأحد 14- جمادي الأولى، 1432هـ، 17- أبريل، 2011م، العدد 11828.
()- المصدر، ص 151.
()- المصدر، ص 163.
()- المصدر، ص 163.
()- حوار صحيفة الحياة 20/1/ 2009م.
()- الرواية السعودية واقعها وتحولاتها، حسن النعمي، وزارة الثقافة والإعلام- الرياض، ط:1، 1430هـ، 2009م، ص 9.
()- الرواية السعودية واقعها وتحولاتها، المصدر السابق، ص 10.
()- انظر:  الرواية السعودية واقعها وتحولاتها، المصدر السابق، ص 10.
()- حاوره، فتح الرحمن يوسف، الأحد 14- جمادي الأولى، 1432هـ، 17- أبريل، 2011م، العدد 11828.
()- حاوره، فتح الرحمن يوسف، الأحد 14- جمادي الأولى، 1432هـ، 17- أبريل، 2011م، العدد 11828.
    • - المصادر والمراجع:
    • - المصادر:
    • - حسن النعمي:
    • - (رجع البصر: قراءات في الرواية السعودية). نادي جدة الأدبي، جدة، 2004م.
    • - (الرواية السعودية واقعها وتحولاتها)، وزارة الثقافة والإعلام، - الرياض، ط:1، 1430هـ، 2009م .
    • - (بعض التأويل –مقاربات في خطابات السرد)، المركز الثقافي العربي-بيروت، النادي الأدبي الثقافي بالرياض، 2013م.

    • - المراجع:
    1. 1- ابن منظور، معجم لسان العرب، ، دار صابر-بيروت، 2003م.
    2. 2- حامد أبو أحمد، الخطاب والقارئ، نظريات التلقي وتحليل الخطاب وما بعد الحداثة، كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1427هـ.
    3. 3- د.حسين جمعة،  المسبار في النقد الأدبي –دراسة في نقد النقد للأدب القديم و للتناص-،منشورات اتحاد الكتاب العرب-دمشق، 2003م.
    4. 4- د.سامي الجمعان خطاب الرواية النسائية السعودية وتحولاته، ، النادي الأدبي بالرياض، ط: 1، 1434هـ/ 2013م.
    5. 5- د.عادل شجاع، القراءة والتلقي في النقد العربي، مركز عبادي للدراسات والنشر-صنعاء، ط:1، 2006م.
    6. 6- د.لطيف زيتوني، معجم مصطلحات نقد الرواية، ، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر-بيروت، ط:1، 2002م.
    7. 7- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، دار الدعوة- القاهرة، ط: 3، 1998م.
    8. 8- مجموعة مؤلفين، إشراف، د.محمد القاضي، معجم السرديات، دار محمد علي للنشر-تونس، دار الفارابي-لبنان، مؤسسة الانتشار العربي- لبنان، دار تالة-الجزائر، دار العين-مصر، دار الملتقى-المغرب، ط:1، 2010م. 
    9. 9-   د.ميجان الرويلي، د.سعد البازعي دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء، ط: 3، 2002م.
    10. 10- هانز ياوس أدب العصور الوسطى ونظرية الأجناس، ضمن كتاب "نظرية الأجناس الأدبية"، ت. عبد العزيز شبيل، مراجعة، منشورات النادي الأدبي الثقافي بجدة، 1994م.
    • - الصحف والمجلات:
    • - جريدة الحياة، حاوره، فتح الرحمن يوسف، الأحد 14- جمادي الأولى، 1432هـ، 17- أبريل، 2011م، العدد 11828.
    • - مواقع الانترنت:
    • - معجم المعاني الجامع: http://www.almaany.com/



قراءة في  المنهج النقدي لكتاب الدكتور راشد عيسى

"قَصِيْدةُ المَرْأةِ فِي الممْلَكَةِ العربيَّةِ السُّعوْدِيَّةِ 

مقدَّم لملتقى النقد الأدبي للنادي الأدبي الثقافي بالرياض
ضمن المحور الثاني"مناهج النقاد العرب في نقد الشعر السعودي"
في دورته الرابعة"الشعر السعودي في الخطاب النقدي العربي"
جمادى الآخرة 1433هـ
أبريل 2012م

إعداد
د.نجلاء  مطري



المُبْتَدأُ:

إنَّ أهمّ ما يسعى هذا البحث إلى تحقيقه هو التعرُّف على المنهج النقدي في كتاب الدكتور راشد عيسى المعنون بــ: "قَصِيْدة المَرْأةِ فِي الممْلَكَةِ العربيَّةِ السُّعوْدِيَّةِ (مُقاربَاتٌ تَطْبِيْقِيَّة)"، وعلاقة المنهج المتبع بالنصوص الشعرية التي أوردها المؤلِّف في كتابه، و الوصول إلى معرفة ذلك  ستنحصر في  المحاور التالية:
  • - المحور الأوَّل: المنهج المقترح.
  • - المحور الثاني: طريقة التحليل والقيم الجمالية للنصوص.
  • - المحور الثالث: مناقشة النتائج.

  • - المحور الأوَّل: المنهج المقترح.

كثُر الحديث عن المناهج النقدية في أوساط النقاد والمهتمين، فالعصر الذي نعيشه - على حد تعبير رينيه ويلليك -، عصر يستحقُّ أنْ يطلقَ عليه صفة عصر النقد، بسبب ما حصل فيه من ثورة في المناهج ().
ويُعدُّ المنهج الوسيلة القادرة على تنظيم البحث النقدي من خلال إجراءات محددة، وعلى وفق طرائق خاصة، ولا يسع الناقد الاستغناء عن هذه المناهج، فهو في حاجة ماسة إلى منهج أو أكثر ليدلل له عمله النقدي، إذا ما أراد أن يكون عمله جاداً تؤطره نظرية واضحة المعالم لتحدد له المسالك التي ينبغي له أن يسلكها وتجنبّه المزالق والعثرات()، وهذا ماجعل أحد الباحثين يصرِّح بقوله أنَّ الناقد: "يحتاج دائماً إلى منهج يرسم له خطوط المهمة حتى لا يضلّ، أو يفلت من يده شيء"()، على أساس كون المنهج هو الوسيلة القادرة على تحديد المنطلقات وتأطير الأفكار على نحو جليّ واضح.
والمؤلف راشد عيسى في كتابه يشيرُ إِلى أنه حَاوَلَ أَنْ يَتَتَبَّعَ المَلَامِحَ الفَنِّيَّةَ لِشِعْرِ المَرْأَةِ السُّعُوْدِيَّةِ، بِاسْتِنَادِهِ إَلَى المَنْهَجِ التَّحْلِيْلِي الفَنِّيِّ، بِاعْتِبَارِهِ – كَمَا يَقُوْلْ – البِنَاءَ الجَمَالِيّ الأَكْثَرَ تَعْيِيْنًا لِـمَـنَاطِقِ الشِّعْرِيَّةِ، بِحَيْثُ وَجَّه اهْتِمَامَهُ إِلَى دِرَاسَةِ عَنَاصِر الِبْنَيةِ الفَنِّيَّةِ فِي القَصِيْدَةِ (الموسيقا / اللغة / الصورة)، بِدَافِعِ تَقْلِيْلِ حَجْمِ الالْتِبَاسِ بَيْنَ شِعْرِيَّةِ النَّصِّ وَلَا شِعْرِيَّتِهِ، وَعَلَى المَنْهَجِ التَّارِيْخِيِّ فِي تَعْرِيْفِهِ بِأَهَمِّ الأَصْوَاتِ النِّسَائِيَّةِ التَّي حَاوَلَتْ أَنْ تَشْتَبِكَ بِالخْطِاَبِ الشِّعْرِيِّ المُعَاصِرِ، التَّقْلِيْدِيِّ مِنْهُ وَالرَّمْزِيِّ المُجَدِّدِ والتَّجْرِيْدِيِّ.
وكما هو واضح فإنه اتبع منهجين – على حدِّ قوله – الأوَّل المنهج التاريخي() في حديثه عن مسار الشعر النِّسْوِيِّ في المملكة()، حيثُ قدِّم المؤلف تصوُّر حول ملامح الشعر النسائي في الساحة السعودية بعد أن استعرض جهود من سبقوه في هذا الشأن ().
والحقيقة أنَّ هذا لبسٌ منهجي واضح، فهو يقدِّم مجرد عرض للإنتاج الشعري السعودي النسوي الذي ظهر في المملكة العربية السعودية، حيثُ إنَّ حيثيات المنهج التاريخي تقوم على إرجاع الأدب إلى عوامل نشأته، بحيث تسترجع الظروف الأصلية التي أبدعت فيها قصيدة ما بواسطة البحث التاريخي()، فهو يعتمد في تعاملهِ مع العملية الأدبية: (النص، المبدع، المتلقي)، على فهمهِ هذه العملية على أنها واقعة تاريخية، لها ظروفها وأسبابها، وعلاقاتها مع المحيط الذي ولدت فيه، ولكنَّ المؤلف لم يشر إلى تلك العمليات الأدبية في معرض حديثه عن مسار الشعر النسوي في المملكة، وليس لديه وعي نقدي للمنهج، ذلك أنَّ المنهج التاريخي قراءة تاريخية في خطاب النقد الأدبي تحاول تفسير نشأة الأثر الأدبي بربطه بزمانه ومكانه وشخصياته، أي أنَّ التاريخ هنا يكون خادمًا للنص ودراسته لا يكون هدفًا قائمًا بذاته بل يتعلق بخدمة هذا النص، وهذا ما تفتقده هذه الدراسة.

 أما المنهج الثَّاني المتبع في دراسة النصوص الشعرية، فهو المنهج التحليلي الفني، وأيضًا نجدُ لبسًا واضحًا في تحْدِيْدِ هوية المنهج في هذا الكتاب، فالمؤلِّف يقرُّ أنه استند إلى: المنهج التحليلي الفني على الأغلب، حيث يقول: أما المقاربات فتنحو نحو الاجتهاد في تغطية الشعر النسائي مسارا وملامح فنية استنادًا إلى المنهج التحليلي الفني والمنهج التاريخي بهدف التعرف لأهم الأصوات الشعرية التي حاولت الاشتباك مع الخطاب الشعري المعاصر دون أن تنطلق الدراسة مما يسمى بالشعرية الأنثوية كنسق ثقافي بل تنطبق من معيار التشكيل الفني وتجلياته الجمالية إذ لا خصوصية لقصيدة الرجل أو المرأة إلا بما توحي به القصيدة من جماليات وملامح فنية()، ويقول: "أمَّا هذه الرؤى فتنحو نحو الاجتهاد في تغطية الشعر النسوي في المملكة (مسارًا وملامح فنية)"()، ويؤكد مرة أخرى على أن هذه الرؤى التي يقدمها ما هي إلا رؤى استطلاعية، يقول: "لذلك أتمنى أن يكون في هذه الرؤى الاستطلاعية، ما يضيءملامح التشكيل الفني في قصيدة الشاعرة السعودية من عام 1960- 2006م، من منطلق اعتقادي أن التشكيل الفني هو البناء الجمالي الأكثر تعيينًا لمناطق الشعرية"()، في حين نجد أنَّ مقدِّمَ الكِتَابِ، يُشِيْرُ إِلى أَنَّ "هَذا الكتاب عمل على تتبع تطور الشعر النسوي في المملكة وتصنيفه ومرحلته وفق رؤية نقدية تجمع بين الجمالي والموضوعي"()، بل و"يَتَخَطَّى قَصَدِيَّةَ التَّحلِيْلِ إلى آفَاقِ التَّأْوِيْلِ"()، وَفِي غِلَافِ الكِتَابِ نَجِدُ قِرَاءةً تُؤكِّدُ أنَّ الباحثَ قد استندَ "في تحليلهِ ومقارباتِهِ إلى النَّقدِ الجماليِّ الذي يُعنى بالبناء الفني ويناقش الرؤى بآليات النقد التطبيقي"().

إنَّ هذا التعدد في المقاربات النقدية، وعدم وضوح الرؤية، يحيلنا إلى هذا السؤال هل بإمكاننا الحديث عن منهج واضح في هذا الكتاب النقدي الذي يحاول أنْ يقدِّم تصوَّرًا عن شعر المرأة السعودية، ترى ما الرؤية التي ينطلق منها المنهج المتبع ها هنا، وما الإجراءات التي استخدمها المؤلف في معالجته النقدية لشعر المرأة في السعودية، وهل يعد أصلح لهذه المهمة؟؟
ولكي يتوافر لدينا تكوين منهج نقدي فلابد من ثلاثة أمور، هي: وجود فلسفة فكرية تخرج منها رؤية ثم تخرجُ من هذه الرؤية المنهج، والمتتبع لتعريفات المنهج يجد أنَّها تنصَّبُ في كونها خطة واضحة ومضبوطة بمقاييس وقواعد تؤطرها خلفية فكرية وفلسفية، و ينطلق من مجموعة من الفرضيات والأهداف والغايات ويمر عبر سيرورة من الخطوات العملية والإجرائية قصد الوصول إلى نتائج ملموسة ومحددة بدقة.
فالدكتور سعيد علوش يؤكد على أنَّ المنهج: (سلسلة من العمليات المبرمجة التي تهدف إلى الحصول على نتيجة مطابقة لمقتضيات النظرية)()، ويعرِّفه الدكتور أحمد بدر بــــ (العلم الذي يبحث في الطرق التي يستخدمها الباحثون لدراسة المشكلة والوصول إلى الحقيقة)().
أمَّا المنهج لدى الدكتور عبد الرحمن بدوي، فهو: (الطريق المؤدي للكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة)().
في حين يحاول الدكتور حامد طاهر أن يعرفه بأنه: (مجموعة خطوات متتالية تؤدي بالباحث إلى هدف محدد، والهدف هو القانون الذي يفسر الظواهر تمهيدا للاستفادة منها)(). 
ومن خلال هذه التعاريف يتَّضِحُ لنا أنَّ المنهج له مستلزمات وإجراءات خاصة به تختلف عن سواه من المناهج، كالمنهج النفسي والمنهج الجمالي وغير ذلك.. وكلُّ منهج من المناهج النقدية يتبعه نقاد لا يحيدون عنه، فهو منهج جماعي تم الاتفاق على كيفية التعاطي معه، إنَّه: "زاوية يدرس في ضوئها ومن خلالها النص الأدبي"().
وكما هو معروف، فهو يرتبط برؤية تجعل للطبيعة الخاصة لموضوع كل مقاربة نقدية دخلاً في نوع النتيجة أو النتائج التي يمكن التوصل إليها من خلال استخدام هذا المنهج أو ذاك().
إذ إنَّ أيّة قراءة نقدية للنصوص الأدبية تقوم على ركيزيتن أساسيتين، هما: (الرؤية)، التي يصدر عنها الناقد، و(المنهج)، الذي يتبعه لتحقيق الأهداف التي يتوخاها من قراءاته، فــ(الرؤية)، هي خلاصة الفهم الشامل للفعالية الإبداعية، أما (المنهج)، فهو سلسلة العمليات المنظمة التي يهتدي بها الناقد، شرط أن يكون (المنهج) مستخلصًا من آفاق تلك (الرؤية)().
غير أنَّ تداخلاً قد يظهر أمامنا في كتاب: "قصيدة المرأة في المملكة العربية السعودية"، بين مفهومين: مفهوم المنهج النقدي ومفهوم الرؤية، إذ إنَّ منهج التحليل الفني والموضوعي -مثلاً- يتم على أساس منهج نقدي معين من مناهج النقد المعروفة، بينما قد تتصل الرؤية النقدية بجميع المناهج، وقد تشذ عنها بحسب صاحب الرؤية أو أصحابها، لأن لكل منهج تقنياته في التحليل الفني والموضوعي، بينما الرؤية لا تهتم بالجزئيات والخطوات التطبيقية على النص.
ونستطيع تفسير الرؤية بقولنا: إنَّها وجهة نظر الرائي بالشيء المرئي، فإذا اتفق مجموعة من الرائين على وجهة نظر واحدة فقد صارت لديهم رؤية موحدة، وإذا اتصلت رؤيتهم بالنقد الأدبي صارت رؤيتهم تتعلق بمفهومهم لطبيعة النص الأدبي وغايته، وطريقة النظر فيه وفهمه، وأصبحت لديهم رؤية نقدية، فقد ينفرد شخص واحد برؤية خاصة به دون سواه، فله رؤيته، وللجماعة رؤيتهم.

وهكذا يبدو واضحاً أنَّ المنهج أشمل وأعم من الرؤية، وأنَّه أكثر دقة وترسيماً منها، بمعنى أنَّه مرسوم الحدود والأصول، وأنَّه سبيل يتبعه الجماعة، وليس الأمر هكذا بالنسبة إلى الرؤية التي تقبل الأمرين.
وليس من الانصاف أنْ يوضع حظر على النقاد في التعاطي مع أيِّ منهج نقدي ولكن من الضروري أن يلتزم الناقد بالآتي:
  1. 1- أنْ يكون ذا منهج ذي رؤية وإجراءات واضحة.
  2. 2- أنْ يتواتر هذا المنهج في دراسته.
  3. 3- أنْ يكون المنهج متسقًا مع الفن الشعري، بمعنى أن عليه ألا يجعل من مناهج المعارف الأخرى كالفلسفة والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم اللغة والرياضيات وغيرها، مناهج نقدية تعالج الآثار الأدبية، إذا بإمكانه الاستفادة من هذه العلوم، ولكن منهجه ينبغي أن يكون مختلفًا ما دامت المادة المعالجة مختلفة().
  • - فهل وفِّقَ المؤلِّف في التزامه بمنهج متواتر واضح المعالم يسير متسقًا مع الفن الشعري النسوي في المملكة ..؟

إنَّ المناهج النقدية تتباين في زوايا نظرها تبعاً للفلسفة التي يؤمن بها ممثلو كل منهج، وتبعاً للمنطلقات التي ينطلقون منها، بناء على ماتمتْ الإشارة إليه من أنَّ المنهج النقدي يُعنى بدراسة النصوص الأدبية من زاوية نظر خاصة، ومن فهم محدد للعملية النقدية، إلاَّ أنَّ دراسة النص الأدبي من من منظور المناهج الحديثة المستخدمة في فضائنا الثقافي كما يقول الدكتور صالح بن رمضان: (ليست في الحقيقة سوى دراسة للشاهد الأدبي، فجميع المناهج التي بين أيدينا لا تدرس نصا حيا لا ولا تتناول بنية متكاملة المكونات والعناصر، بل تنتقي ما يستجيب لنظامها المنهجي حتى أننا ليمكننا أن نقول إن ثقافتنا أصبحت ثقافة الشاهد)().
ومما لاشك فيه فإنَّ النقد له أصول وقواعد وتقاليد، والشعر له أصول وقواعد، والنص لا يوصف بأنَّه شعر مالم يمتلك مواصفات معينة تلتزم هذه الأصول أو تدون ضمن حدودها()، وقد حدد "كارل بوبر" قواعد المنهج بأنَّها: (مجموعة من المعايير التي يستعين بها العالم عندما يكون مشغولاً بالبحث أو بالكشف)()، ووظيفة الناقد الأساسية هي البحث في قيمة النص الفنية.
والناقد بحاجة إلى منهج يرسم له خطوط المهمة لكي يقوم بمهمته النقدية، حتى لا يضل أو يفلت من يده شيء ().
لذلك فعلى الباحث في نقد قصيدة المرأة في السعودية أن يفرق بين أسلوب شعر البيت وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، فكل نوع رؤية تختلف عن الأخرى، ولذلك فإن المقاييس التي يدرس في ضوءها الأسلوب الأول لا يمكن أن تطبق على الثاني أو الثالث، وإلا فسيكون هناك ظلم كبير على كل هذه الأساليب.
ويثيرُ الدكتور خالد الجديع قضية جدًا مهمة حول مسألة المناهج النقدية المستخدمة في الأبحاث العلمية كالمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي، والمنهج الاستقرائي، مؤكدا أنَّ هذه المناهج ليست نقدية، فقد تسللت إلى عالم المناهج من خلال مناهج طرق التدريس والعلوم الاجتماعية، بالإضافة إلى أنها ليست خصيصة لمنهج نقدي دون سواه، فكل المناهج النقدية تحوي وصفاً وتحليلاً واستقراءً.()  
مشيرًا إلى أنَّ الخطورة النابعة من هذه المناهج المذكورة هي أنها تمضهرت ومنهجت فيما يعرف بالمنهج الفني هذا المنهج – كما يقول بناء على رأي أصحابه-:(قادر على التشكُّل حسب الجنس الأدبي، فمن خلاله تقارب القصيدة والخطبة والرسالة والمقامة والمقالة والقصة والمسرحية، ويصمد هذا المنهج المزعوم لعناصر النص كافة من عاطفة وفكرة ولغة وصورة وإيقاع وبناء وحدث وزمان ومكان وشخصيات، إنَّه المهيمن القادر على التعامل مع الأدباء على اختلاف عصورهم واتجاهاتهم، لأنَّه بكل سهولة - كما يقول أربابه -: (أقرب المناهج الأدبية إلى طبيعة النص الأدبي)()، إنَّه المنهج الذي يمكِّن القارئ ليقول كل شيء عن النص دون حسيب ولا رقيب، وعندما نروم تلمُّس أصوله الغربية - كسائر المناهج - ونحاول البحث عن أبرز أعلامه لا نظفر بشيء).()
و المنهج الفني ها هنا، هو المنهج الجمالي، أي :(دراسة القيم الجمالية في العمل الأدبي، من أجل تقويمه ووضعه في مكانه الصحيح بين الأعمال الأدبية الأخرى التي تمثل التطور الفني لتاريخ الأدب)()، وهو منهج تعامل معه الدكتور يوسف خليف في كتابه :"ذو الرُّمة شاعر الحبِّ والصحراء" ()، وشوقي ضيف، في كتابيه: "الفن ومذاهبه في الشعر العربي"، و"الفن ومذاهبه في النثر العربي"، ويتلخَّص في طريقة التعامل مع النص الشعري باعتباره عاكسًا للقيم الفنية والاجتماعية والفكرية والثقافية في المجتمع في دراسة الأدب، وهو اتجهان اتجاه يدرس الشخصيات الأدبية، وآخر الظواهر الأدبية، وبناءً عليه، فإن ما يقصده المؤلف هو الاتجاه الثاني ألا وهو: (دراسة الظواهر الأدبية التي يقف فيها عند الأعمال الأدبية المختلفة التي تشكل الظاهرة الأدبية موضوع الدراسة من أجل معرفة القيم الجمالية التي تشترك فيها، والخصائص الفنية التي تميز بعضها من بعض، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي تصنيف هذه الأعمال الأدبية إلى مجموعات، تمثل كل مجموعة منها مذهبًا فنيا متميزًا أو مدرسة فنية مستقلة)().
والمنهج الجمالي لدى الدارس الحالي يدل على الممارسات النقدية التي تعنى بالشكل والبحث عن العلاقات التي تربط المكونات الشكلية للنص من حيث اللغة والصورة والإيقاع باعتبار هذه المكونات قوى وطاقات تعبيرية جمالية تجعل النص تجسيدًا لرؤية ذاتية تتمثل في موقف الناقد وانطباعاته تجاه الفعل الإبداعي()، وهذا الناقد الجمالي كما يقول عنه والتر بِيْتَر: ("وهنا يعني محض الناقد الأدبي أو الفني .."، يعد جميع المواد التي عليه أن يتعامل معها كقوى وطاقات تبعث مشاعر ملذة، كل واحد من نوع يزيد أو ينقص خصوصة وتفرَّدًا ووظيفته أن يميز ويحلِّل ويفصل عن لواحقها تلك الميزة في الصورة أو المنظر الطبيعي، أو الشخصية الحسنة في الحياة أو في كتاب، التي تستطيع تلك الأشياء بوساطتها أن تحدث هذا الانطباع الخاص من الجمال أو اللذة، أن تشير إلى مصدر ذلك الانطباع وإلى الظروف التي يتم فيها)().

ومع هذا فإنَّ المؤلف حاول أنْ يسير على هذا المنهج، ولكن خرجت تطبيقاته انطباعية وتعثر كثيرًا، فهو منهج غير اضح المعالم، وهو بالتالي لم يطبِّق المنهج الجمالي بقسميه تطبيقًا دقيقًا، إذ كان عليه حينما قال بتطبيقه للمنهج أنْ يصل للقيم الجمالية والفنية والفكرية والاجتماعية التي تعبر عنها الشاعرة في المجتمع السعودي، ولكنه لم يبين تلك القيم أو حتى يتطرَّق إليها، وهو حتى لم يركز على شخصية يجعلها محور الدراسة من أجل تقويم الدور الأدبي الذي قامت به، أو على العمل الأدبي الذي أبدعته هذه الشخصية ليكشف أسرارها الفنية والخصائص المميزة لها،  لذلك جاءت دراسته لشعر المرأة دراسة بسيطة مبنية على منهجٍ يعتمدُ بالدرجة الأولى على رؤية شخصية انطباعية، يقول عبد الله السمطي: (لا يتسنى لنا أن نوقن تماما أن هناك منهجا جماليا، أو تاريخيا، أو موضوعيا، اختطه المؤلف، أو قرأ به النصوص، كما لا يوجد – فيما أعلم- منهجًا في النقد الأدبي يسمى بالمنهج النقدي " التطبيقي" لكي يستخدم المؤلف آلياته، بل إن كل منهج محدد مثل: البنيوي، أو التفكيكي، أو الاجتماعي، أو التأويلي، له آلياته وتطبيقاته)(). 

  • - المحور الثاني: طريقة التحليل والقيم الجمالية للنصوص.

ولكي يفعِّل المؤلف منهجه الذي سماه بالفني قسم كتابه إلى أربع بِنيات، ثم تعامل مع كل بنية تعاملاً تحليليًّا نصيًّا، إذ أنَّه بعد اطلاعه على ما يزيد على مئة مجموعة شعرية لشاعرات عربيات في ربع القرن العشرين الأخير، تبين له "أن المستوى الفني للشعر النسائي العربي الجديد يكاد يكون متشابها من حيث النشأة والتنامي والتجريب وإن كان الفضاء الذي تتحرك فيه الشاعرة السعودية أضيق من مثيله في أقطار العالم العربي الأخرى وأقلّ حظًا من المتابعة"()، ثم استعرض دراسته ضمن مجموعة من  أنماط البنية الفنية في قصيدة المرأة السعودية، حددها بأنها رؤى استطلاعية (أفقية)، وليس حفرية (عمودية)، وهي كالتالي:

أولا: البنية الغنائية التقليدية.
وشملت الشاعرات: سلطانة السديري، مريم البغدادي، رقية ناظر، إنصاف بخاري، هيام حماد، منتهى قرش، ونورة الخاطر.
يقدم المؤلف نصوص للشاعرات المذكورات مقتطعة من دواوينهن، ويختار منها ما يتناسب ومنهجه التحليلي الفني، مكتفيا بنص أو نصين ليعطي رؤيته النقدية عن الشاعرات، ويصل في نهاية المطاف إلى مجموعة من الرؤى، يمكننا استخلاصها من خلال استطلاعه النقدي، وهي كالتالي:

  1. 1- القيم الجمالية عند شاعرات القصيدة الرومانسية التقليدية كانت قليلة وأغلبها جاء صدى لقصائد أخرى ومحاكاة للملامح الرومانسية السائدة وغلبت عليها الغنائية المفرطة والبوح الأحادي()، مصوغة بلغة الحزن الذي يسيطر على كل مساحات البوح، ويعبر عن آفاق التجليات الغنائية().
  2. 2- الصورة الفنية في بنية الشاعرات تكاد تضمحل، وتوشك اللغة الشعرية فيها على الكسل، وتكاد الموسيقى تطغى بشكل يجعل القوافي لكأنها مهندسة بتكلف وتعسف().
  3. 3- أن الذات عند المرأة عالية ومركزية والعاطفة أوسع، حيث لم يكن أمامها إلا أن تسرد ذاتها وتهرب عاطفتها بالشعر الغنائي الرومانسي().
  4. 4- أغلب الشاعرات اعتمدن على الأسلوب الطلبي المباشر والتقريري.
  5. 5- لجوء بعضهن إلى المشطرات الرباعية، ومجزوء البحور، والشعر الحر، وتأثرهن بالقصائد المغناة، مع وجود الكثير من الكسور الإيقاعية.
  6. 6- يحسب لشاعرات هذا الجيل تأسيس بعضهن للقفزة الشعرية عند شاعرات الرمزية المجددة وتجملن مكابدات التجريب ومعاناة جضورهن الأدبي في المجتمع.

ثانيا: النية الرمزية المتجددة.
وشملت مجموعة من الشاعرات  ثريا العريض، خديجة العمري، غيداء المنفى، لطيفة قاري، أشجان الهندي، فاطمة القرني، بديعة كشغري، وآمال بيومي.
وقد حاول المؤلف أن يقدِّم تصورًا واضحًا عن الشاعرات المذكورات، ولكنه قدم أيضا رؤية استطلاعية منتقيًا نص أو نصين من نصوصهن ليعطي انطباعًا وحكمًا على جميع نصوص الديوان.
وفيها يلحظ المؤلِّف أنَّ الشكل الجديد في قصيدة التفعيلة أدَّى إلى التنوع الجمالي والتوسع في التصوير الفني وأساليب اللغة الشعرية وفيها صعدت القصيدة إلى الرمز في حرية تعبيرية تحترم الذائقة الشعرية الجديدة وتستولد أساليب فنية ترفع منسوب الشعرية كالمقارنة والتناظر واستطاع الأسلوب الرمزي أن يستحضر منظومة من أشكال الموروث وقدم جماليات تصويرية لغوية وحوارات نفسية مع المكان().
ولخص إلى أنَّ شاعرات هذا الجيل تمكنَّ من كتابة نصوصًا ناجحة من شعر التفعيلة، حيث استطاعت الشاعرة أن تطرح رؤية إنسانية مغايرة عن شاعرات البنية التقليدية، فلاعواطف مغرقة في خصوصية البكاء، ولا غنائية تقليدية مجانية، بل أنها صورت صوت المرأة الجديدة في رحلة بحثها عن كينونتها الاجتماعية الخاصة والإنسانية العامة في أبنية فنية متسقة مع طبيعة القصيدة التفعيلية، كما هو واضح لدى ثريا العريض، والتميز في شعر خديجة العمري في التشكيل الفني في القصيدة فلغتها الشعرية حافلة بأساليب البيان العرببي الجديد، والصور الفنية متقدمة مع دراية بالنظام الموسيقي التفعيلي، مع قدرة  أشجان هندي على توظيف التراث في قصائدها الموزونة().

ثالثا: البنية التجريدية (قصيدة النثر).
وشملت الشاعرات فوزية أبو خالد، هدى الدعفق، لولو بقشان، سارة الخثلان وهيلدا إسماعيل.
وهنا يؤكد المؤلِّف أنَّ الاختلاف النقدي حول تجنيس قصيدة النثر ما زال قائما ومتباين الآراء ومتعددها وإن كان أغلبها حذرا متشككًا من صحة المسمى أو السخرية منه، مشيرًا إلى أن سبب نفور الجمهور العريض من النقاد والمتلقين لقصيدة النثر يعودُ إلى تحللها من أبرز قيد فنيّ في الشعر وهو الموسيقى وهو ما منح الكتاب فرصة التجريب ومساحة المغامرة، مع أن نمطية التجريد وإغراب التصوير الفني أفقد بعض كتّابها خصوصيتهم وفرادتهم، ولن يستطيع الدارس أن ينفي ذيوع قصيدة النثر في الوسط الأدبي العربي ولا ذيوع الكتابة التساؤلية عن جدارتها الشعرية().

رابعا: الخواطرية الشعرية.
ويمثلها في الدراسة كل من عزة شاكر وهدى الرفاعي.
ويعرفها بأنها: عبارة عن منثورات ومقطوعات أدبية تصبغها النزعة الرومانسية المعتمدة على نبض الخلجات النفسية والخطاب الذاتي، وهي مقطوعات أدبية رقيقة التعبير والصياغة أطلق عليها باطمئنان الخواطر الشعرية تحمل خميرة الإبداع الشعري والبوح الوجداني الشفيف في قوالب خواطرية معطرة برذاذ الشعر مفتقدة إلى عنصر الموسيقى وجاءت على شكل تداعيات مشاعرية بمضامين متنوعة لا يحكمها بناء شعري معروف()، مع افتقار الموسيقى الشعرية في نصوصهنَّ.
يقول عبدالله السمطي، حول هذه البنية: (ما كان للباحث والناقد الدكتور راشد عيسى وهو الخبير بالمشهد الأدبي السعودي أن يخصِّص فصلاً لنصوص الخواطر تحت عنوان:" الخواطرية الشعرية" فما دامت هذه النصوص مجرد خواطر، فلماذا نسبها للشعر، وهو الحريص – كما يبدو من مقدمة كتابه- على مسألة" التجنيس النصي"؟)().
إنَّ المؤلف هنا يقدِّم مجموعة من القراءات النقدية الاستشرافية التي تسعى للتعريف والتقديم وتدوين الملاحظات أكثر من إضاءتها مكامن العمل الإبداعي، والوقوف بشكل منهجي حيال خواصه ودلالاته. 
من خلال هذه النماذج التي ذكرها المؤلف، نتساءل ما مدى نجاع هذا المنهج في دراسة قصيدة المرأة في السعودية، وهل أضاف شيئا أو توصل إلى قوانين وقواعد جديدة في النص الشعري؟
إنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بالعمل السهل ولا اليسير تحقيقه في ورقة من هذا النوع، ولأنَّ الإجابة مهما تكن مختصرة لا بدّ من أن تأخذ بنظر الاعتبار جملة من الحقائق يأتي في مقدمتها أنَّ ظهور الشعر النسائي، كان ضعيفًا فالمرأة الشاعرة كما يقول الدكتور راشد: "مازال معظم شعر المرأة عالميا باهتا في جودته الفنية، فالشاعرات المتميزات نادرات جدا عبر التاريخ، والشاعرة أينما كانت تحتاج إلى فوة نفسية وخبرة فنية وإخلاص مثابر في استيعاب طبيعة الشعر وأساليبه، وعناصره البنائية ولا سيما اللغة الشعرية،والثقافة العميقة التي تخضب القصيدة وتقودها إلى الانفعال الفني اللغوي والفكري)().
وكما ذكرنا سابقًا فالمؤلِّف سعى جاهدًا إلى أن يطبِّق المنهج الجمالي الذي يبحث الظاهرة الأدبية، للكشف عن قيمها الجمالية، والخصائص الفنية التي تميز بعضها من بعض، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي تصنيف هذه الأعمال الأدبية إلى مجموعات، تمثل كل مجموعة منها مذهبًا فنيا متميزًا أو مدرسة فنية مستقلة، ولكن المؤلف لم يتمكن من الوصول إلى ذلك، بل نجده ينتقي ما يناسبه من النصوص التي تتفق والرؤى التي يطرحها، ويقع في مجموعة من الأخطاء:
أولاً: أنَّ مفهوم البنية مفهوم غير واضح عنده، وهو مفهوم شائك في الثقافة العالمية، ولو بحثنا في أي قاموس نقدي نجد تعدد المدلولات، فإلى أي مدلول كان يسير المؤلف في هديه، ويلعب غموض هذا المصطلح تأثيره على رؤيته النقدية؟؟
ثانيًا: أنَّ فكرة التقليدية وفكرة التجريدية وفكرة الخواطرية، المسمى بها البِنيات مسميات غير أكاديمة وغير علمية وليس لها مايبررها، إلا إذا استخدم القصيدة التقليدية، أو قصيدة الشعر الحر، أو قصيدة النثر ليكون أوضح من هذه المسميات الغامضة.
ثالثًا: أنه يركز على نصوص بعينها في قصائد بعينها من دواوين الشاعرات، وهذا مايشكِّك في عينة بحثه، إذ أنَّه كان يجب أنْ يوسع من هذه العينة البحثية.
رابعًا: أنَّه في كثير من الأحيان مايهتم بالقيم الجمالية والفكرية المعكوسة التي تعكسها قصائد الشاعرات من وجود ظروف اجتماعية تعيشها الشاعرة وتحاول أن تتخطاها أو تبوح بشكواها عنها، ومن هنا تمثل هذه القصائد أقنعة متعددة المرآيا وهو لم ينتبه إلى هذا.
خامسًا: البنية الوحيدة التي نجح المؤلف في إظهارها هي البنية الرمزية، ولكنه لم يوضح أنها بنية قناعية، ولم يوفها حقها من الناحية الجمالية.

  • - المحور الثالث: مناقشة النتائج.

إن أوَّل ما يلفت انتباهنا هو أنَّ المؤلف ليس بناقد، فالناقد نوعان، النوع الأوَّل: أديب متواجد في المراكز الثقافية، أمَّا النوع الثاني: ناقد أكاديمي، أما ناقدنا هذا، فهو صُحُفي يسمى الأشياء بغير مسمياتها، يقول عنه مقدم الكتاب: (إنَّ مؤلف هذا الكتاب يعبِّر عن ذلك كله، لا يختزل تجربته الإبداعية والصحفية والإنسانية ليتحول إلى مجرد محترف، أو باحث طلعة، بل يبدو كالنهر الذي تثريه روافده المتعددة فيتدفق عذبًا سلسبيلاً، لذا كان كتابه هذا متميزًا، لأنه ضمَّ حصاد سنين عديدة انقضت في وقدة قيظ لافح من المعاناة أمضاها في معالجة النصوص وتقويمها وفرز غثها من سمينها أثناء عمله محررًا أديبًا في أكثر من صحيفة في المملكة)().
 وأوَّل ما يمكن أنْ يوجَّه لهذا الكاتب هو ضبابية مصطلح النقد المستخدم، والتحديد غير الدقيق للمصطلحات وعدم تفعيله للمنهج في تحليل النص، فحديثه عن مسار الشعر النسوي في المملكة يسميه منهج تاريخي، والمنهج التاريخي معناه البحث عن العناصر التي يعكسها التاريخ في الأدب، فكل شعر يعكس ظروف سياسية اجتماعية ثقافية، أما ما ذكره فقد كان سردًا تاريخيًّا لتاريخ الشعر.
والوقوف على المنهج الفني في هذا النصوص التي درسها الناقد يظهر للقارئ أنه حاول أن يجمع في اتجاهاته النقدية بين الذاتية والموضوعية، ويعتمد على الأصول والقواعد الفنية المقررة، إذ نلمس كيف استطاع المؤلِّف أن يستخدم ذوقه الفني في كثير من النصوص، وهو بهذا قد وقع أحيانًا في الخطأ، وجعله يدور في فلك ضيق، حيث حول المنهج نفسه إلى مجرد قالب يتلاءم مع رؤيته الذاتية، وهذا يتنافى مع طبيعة المنهج، إذ أن "القواعد التي يصلح تطبيقها على نص ما، قد لا تصلح على نص آخر"().
وقد قسم د.راشد الشعر إلى أربع بنيات: غنائية، ورمزية، وتجريدية، والخواطرية، فماذا يقصد بالبنية؟، البنية الشكل، فهل هو يتحدث عن الشكل من حيث الصورة/ اللغة/ الموسيقى؟
 إنَّ البنية هي ما يكشف عنها التحليل الداخلي لكلٍّ ما، إنَّها عمومًا كلٌّ مكونٌ من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منه على ما عداه، ولا يمكنه أن يكون ما هو إلا بفضل علاقته بما عداه().
وعن متى يقام البناء يجيب الباحث حسن عبود بقول: (إن البناء يقام عندما يدرس الناقد النص بإمعان وبنظرة شمولية مترابطة، ويدرك كذلك ما كتب حوله من نقد وفق المناهج، الخارجي والداخلي والتأثري، ويمحص كل ذلك ويضيف إليه من خبرته وتجربته وسعة أفقه)()، ونلحظُ أنَّ المؤلف لم يلقِ نظرة شمولية حول بنية القصائد المطروحة، ولم يركز على العلاقات القائمة بين عناصر النص المختلفة، والتأثير المتبادل بينها، ولم يكن تركيزه شاملاً في علاقة النص بمبدعه وبيئته ومتلقيه.

يبدا المؤلف حديثه بعرضه للبنية الغنائية مؤكِّدًا على أنَّ الذات عند المرأة مركزية والعاطفة لديها أعلى وأوسع، فلم يكن أمامها إلا أن تسرد ذاتها وتهرب عاطفتها بالشعر الغنائي الرومانسي()، فالغنائية هي الشعر الرومانسي الذي يتمحور حول الذات والذي يعبر عن أفكارها وانفعالاتها وعواطفها، وهو بهذا الوصف لا يمكننا أن لانقول عنها: بنية، وإنما نقول: غنائية بمعنى – التقليدية أو الموزون المقفى.
ومن هنا فإن كلمة "غنائية" التي يقصد بها هنا "الرومانسية" غير واضحة المعالم وكذلك كلمة "تقليدية"، وكذلك وصف "الغنائية بالبناء"، والبناء يعني الشكل، فأيّ شكل في الرومانسية يجعلها بنية يمكن الاحتكام إليها، وماهي البنية الحقيقية في قصائد سلطان السديري مثلاً؟
 إذْ إنَّ البِنية شكل محدد يستخدم كعلامة لما وراءها، وكان عليه وهالباحث في هذا الشأن أن يبين البينة من الناحية الفنية ومدى كشفها للقيم الاجتماعية والفكرية في المجتمع وهذا مفقود وغير واضح في البينة الغنائية التقليدية التي تحدَّث عنها.
ثم إن تعامله مع نصوص الشاعرات كان مبنيًا على الذوق والانطباعية، فهو يقول: "تنتشر عاطفة الحب في الديوان نبضًا مشاعريا روحيا يسيطر على جديلة التدخَّلات النفسية"() – كلام لا ينبني على رؤية واضحة، وهو ليس تحليلاً دقيقًا.

أما المحور الثاني الذي تحدث عنه، هو البنية الرمزية المجدِّدة، يقول عبد الله السمطي: " إن وصف نصوص شعرية كتبت بالشكل التفعيلي بأنها رمزية مجددة قد يضعها في خانة صغيرة من الرمز، ولا يشف عما بها من جماليات أو دلالات أخرى. ونحن لا يتسنى لنا أن نوقن أن هذه الأسماء التي تضمها هذه البنية الرمزية المجددة هن شاعرات رمزيات"()، فالقناع الذي تحدث عنه الكاتب وهو استخدام زرقاء اليمامة عند أمل دنقل، والشاعرة ثريا العريِّض مثلاً، يمكن اعتباره رمزًا لكن كيف عرض هذا القناع في القصيدة، وما الذي يعكسه هذا القناع من قيم فكرية واجتماعية وجمالية على مستوى الحركة النسائية السعودية وعلى مستوى المجتمع السعودي الأرحب؟ 

ثم تطرَّق المؤّلف لشعر ثريا العريض، وعرض لديوانها :"أين اتجاه الشجر"، كنموذج لشاعريتها، فثريا تغلب عليها مشاعر الانتماء للحلم العربي، يقول عنها:" تتخذ ثريا أسلوبًا فنيا رئيسيًا في معالجتها الشعرية، وهو توظيف شخصية زرقاء اليمامة بما تحمله هذه الشخصية النسوية العربية من ظلال تاريخية معهودة تتمثل في مصداقية حدسها"()، فالمؤلف عند حديثه عن زرقاء اليمامة لم يشر إلى أنها قناع أو إلامَ ترمز؟، فهل الرمز يشير إلى واقع المجتمع السعودي والمرأة السعودية؟، وهو إن فعل ذلك يكون قد نجح في بنية القصيدة الرمزية، 

أما المحور الثالث الذي عقده عن البنية التجريدة، فلانفهم معنى التجريدية، لأنه لم يحدد هذا المصطلح، وقد حددها بقصيدة النثر فأي تجريدية بقصيدة النثر، "فقصيدة النثر قصيدة متنوعة، ثرية بالدلالات، وهي وإن اعتمدت التجريد، فإنها تعتمد آليات أخرى كثيفة، يشكل التجريد إحدى خواصها، لكنها أيضا تعتمد: المفارقة، والتضاد، والتكرار، وكثافة الصورة... إلخ هذه التقنيات الجمالية التي تجعل منها نصا حداثيا بامتياز"().
إنَّ مصطلح التجريدي يعنى اللاشكل أو اللاتشخيص، وهو مصطلح يدعو إلى  رفض نهج أساليب التقيد بكلِّ النظم التقليدية، فهل نفهمُ من ذلك أنَّ هناك خروج عن تلك القيود، ثم إنه لا توجد أية إشارة إلى الجوانب الجمالية والاجتماعية التي يعكسها النص وكأنه يتقنع فيخفيها غير أنها تظهر في ثنايا كلامه  في بعض الأحيان: "أتصور أن نصوص فوزية منذورة للرؤيا أكثر مما هي معنية بالمعمار الفني، فهي نصوص مكبَّلة بالوعي، محاصرة بنبضات الفكر والاحتجاج على أشكال الاستلاب الإنساني، لكن بتوظيف الصورة الفنية المعاصرة وجماليات الانفعال اللغوي منه"().

أما في حديثه عن البنية الخواطرية، يوضِّح أنَّ هذه: "المقطوعات الأدبية الرقيقة أُطلق عليها باطمئنان (خواطر شعرية)، وليست قصائد فمجمل المقطوعات نثائر أدبية تحمل الخميرة الشعرية أو هي قطع من البوح الوجداني الشفيف المصوغ في قوالب خواطرية والمعطرة برذاذ الشعر"()، ثم يشيرُ إلى سبب تسميتها بذلك، يقول: "لأن بعض المقطوعات حوت جملاً قصيرة متناثرة ذات إيقاع داخلي متواضع في مفرداتها وكأنها قطع أدبية مترجمة تتدانى من التنغيم الخافت"()، لكن لا يمكننا بحال أن نقتنع بجعلها بنية ؟


وأخيرًا بعد هذه الوقفات نستخلص، الآتي:
1- عدم وجود منهج واضح، أو رؤية نقدية تستندُ إلى مرجع علمي متخصص، حيثُ إننا نلاحظ خلو المؤلَّف من المراجع أو الهوامش.
2- المؤلِّف يدخل مباشرة للموضوع دون الوقوف على المصطلحات والمفاهيم المطروحة.
3- المصطلحات لديه عائمة غير محددة وغير مطبقة أومفعلة في البحث.
4- إنَّ إطلاق صفة التحليلي التطبيقي على المنهج إطلاق قاصر، ذلك أن كل المناهج يمكن أن يطلق عليها تحليلية تطبيقية.

- الهوامش:

()- مفاهيم نقدية، ترجمة.محمد عصفور، عالم المعرفة-  الكويت، العدد 110، 1987م، ص 466
()- اتجاهات نقد الشعر العربي في العراق، دراسة الجهود النقدية المنشورة في الصحافة العراقية بين 1958م/ 19990م، د.مرشد الزبيدي، منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق، 1999م، ص 20.
()- الأدب وفنونه، عز الدين اسماعيل ، دار الفكر العربي- القاهرة، ط:7، 1978- ص72
()- انظر: في النقد الأدبي الحديث "منطلقات وتطبيقات"، د.فائق مصطفى، د.عبد الرضا علي، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر- الموصل، ط:1، 1410هـ/1989م، ص 169: 171.
  • - مقدمة في النقد الأدبي، د.علي  أحمد جواد الطاهر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، ط: 1، 1979م، ص 397: 404.
()- قصيدة المرأة في المملكة العربية السعودية مقاربات تطبيقية، د.راشد عيسى، الانتشار العربي-بيروت، النادي الأدبي بحائل، ط:1، 2010م، ص 21.
()- قصيدة المرأة، مصدر سابق، 16 .
()- مناهج النقد الأدبي، إنريك أندرسون إمبرت، ت/الطاهر أحمد مكي، مكتبة الآداب- القاهرة، 1412هـ/1991م، ص 109.
()- قصيدة المرأة، مصدر سابق، 16 .
()- قصيدة المرأة، ص 15.
()- قصيدة المرأة، ص 18.
()- قصيدة المرأة، ص 09
()- قصيدة المرأة، ص 10.
()- الغلاف .
()- معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، د.سعيد علوش، دار الكتاب اللبناني- بيروت،سوشبريس-الدار البيضاء، 1985م، ص 223.
()- أصول البحث العلمي ومناهجه، د.أحمد بدر، وكالة المطبوعات-الكويت، ط:8، 1986م، ص 33.
()- مناهج البحث العلمي، دار النهضة العربية- القاهرة، 1963م، ص 5.
()- مناهج البحث بين التنظير والتطبيق، حامد طاهر، ص 3
()- المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، حسين عبود حميد، رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة الكاتبة مقدمة إلى كلية الآداب جامعة بغداد، بغداد 1991- ص16
()- شعر الواقع شعر الكلمات، دراسات في الشعر العراقي الحديث، د.ضياء خضير، منشورات اتحاد الكتاب العرب-دمشق، 2000م، ص 26.
()- النقد الأدبي في ليبيا، د.الطيب علي الشريف، تحولات الخطاب النقدي العربي المعاصر، مؤتمر النقد الدولي الحادي عشر 25- 27/ 7/ 2006م، جامعة اليرموك- الأردن، عالم الكتب الحديث، جدار للكتاب العالمي-إربد، ط:1، 1429هـ، 2008م، ص 13، نقلاً عن المجلة الجامعة، مركز البحوث والدراسات العليا، جامعة السابع من أبريل، 2001م، العددان:الثاني والثالث، واقع النقد الأدبي في ليبيا، د.عبدالله إبراهيم، ص 12.
()- المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، ، د. حسين عبود حميد، رسالة دكتوراه، إشراف الدكتور. داود سلوم، 1991م، ص 85.
()- الخطاب الأدبي وتحديات المنهج، د.صالح الهادي بن رمضان، نادي أبها الأدبي، ط:1، 1431هـ/2010م، ص 81.
()- المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، مرجع سابق، ص 12.
()- المنهج النقدي عند كارل بوبر"مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة، إعداد الطالب. خوني ضيف الله، إشراف د.لخضر شريط، 2005م، 2006م، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الجزائر، ص 29.
()- المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، د. حسين عبود حميد، مرجع سابق، ص 17.
()-الخميس 26 ,ذو الحجة 1431   العدد  323  الجزيرة الثقافية، د. خالد الجديع.
()- كما يسميه سيد قطب، والدكتور عباس توفيق، أمَّا الدكتور عدنان خالد عبدالله بالمنهج التحليلي، وهناك مسميات كثيرة حوله، للاستزادة الرجوع إلى:
  • - المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، ، د. حسين عبود حميد،مرجع سابق.
()- الخميس 26 ,ذو الحجة 1431   العدد  323  الجزيرة الثقافية، د. خالد الجديع.
()- مناهج البحث الأدبي، يوسف خليف، دار الثقافة للنشر والتوزيع- القاهرة، د. ط، 1997م، ص 56 .
()- دار المعارف- مصر، 1970م.
()- مناهج البحث الأدبي، يوسف خليف، مرجع سابق، ص 59 .
()- مناهج النقد الأدبي في الأردن في النصف الثاني من القرن العشرين، د.أحمد ياسين العرود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت، ط:1، 2004م، ص 469.
()- موسوعة المصطلح النقدي، ترجمة. د.عبد الواحد لؤلؤة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت، ط: 2، 1983م، المجلد الأوَّل، ص 315.
()- قصيدة المرأة في السعودية بين المنهجية الجمالية وانطباعية الناقد، عبد الله السمطي، إيلاف، 14/ أغسطس/ 2010.
()- قصيدة المرأة، ص 17.
()-قصيدة المرأة، ص 197.
()- قصيدة المرأة، ص 45.
()- قصيدة المرأة، ص 34.
()- قصيدة المرأة، ص 33.
()- قصيدة المرأة، ص 75.
()- قصيدة المرأة، ص 198.
()- قصيدة المرأة، ص 151.
()- قصيدة المرأة، ص 181.
()- قصيدة المرأة في السعودية بين المنهجية الجمالية وانطباعية الناقد، عبد الله السمطي، إيلاف، 14/ أغسطس/ 2010.
()- قصيدة المرأة، ص 30.
()- قصيدة المرأة، مصدر سابق، ص 8 .
()- البحث الأدبي أسسه ومناهجه، د.جسن محمد حسن عازل، مكان النشر وتاريخة غير مذكورين، ص119
()- نظرية البنائية في النقد الأدبي، د.صلاح فضل، دار الشروق، ط:1، 1419هـ/1998م، ص 121.
()- المناهج النقدية في نقد الشعر العراقي الحديث، ص 84.
()- قصيدة المرأة، ص 33 .
()- قصيدة المرأة، ص 35.
()- قصيدة المرأة في السعودية بين المنهجية الجمالية وانطباعية الناقد، عبد الله السمطي، إيلاف، 14/ أغسطس/ 2010م.
()- قصيدة المرأة، ص 80 .
()- قصيدة المرأة في السعودية بين المنهجية الجمالية وانطباعية الناقد، عبد الله السمطي، إيلاف، 14/ أغسطس/ 2010م.
()- قصيدة المرأة، ص 156 .
()- قصيدة المرأة، ص 191.
()- قصيدة المرأة، ص 192


انشطار الذات بين الأنا والآخر في رواية «الطريق إلى بلحارث»

ينحو العنوان في رواية «الطريق الى بلحارث»، منحى مكانيا ممتدا قد يقصر أو يطول، في كونه يمثل مسافة زمنية للوصول إلى هدف في فترة محددة، كما يجمع «الطريق» مجموعة من الأشخاص الوافدين والمواطنين تتعدد رغباتهم، لكن طريقهم واحد.
وتمثل شخصيات الرواية «عماد، منصور، علي وزوجته المعلمة»، فئة الوافدين الذين ارادوا تحقيق حلم يختلف ويتنوع حسب نفسياتهم، حيث الرغبة الكامنة في تحقيق حلم نسج خيوطه بين هذه الشخوص، فالأمل المرتقب قد مات متمثلا في فجر الذي مات وهو في مهده، وهذا يشير اشارة لا تخفى على احد منذ القراءة الاولى للنص من عدم امكانية تحقق الحلم الذي سعوا جاهدين اليه، وتكبدوا عناء الطريق لأجله، ان هذا الطريق المحفوف بالصعاب هو صورة حية لحلم جسده هذا الواقع الماثل، لحلم غائب كان الوصول اليه أصعب من الوصول الى بلحارث تلك القرية البسيطة التي تفتقد لكل تقنيات وسائل الحلم الحقيقي.
وهذا الحلم ليس هدفا حضاريا او وسيلة تعليمية كما يحاول الراوي/البطل ان يرسمها على شخصية بطله وانما كان هدفها اختصار الزمن (انني أثمن يا حبيبي رسالتك الحضارية التي تؤديها في مجاهل الصحراء، لكنني لست على ثقة من انها كانت الهدف من وراء سفرك..)، وفي سياق هذا الوضع فان الشخصيات التي مثلت منصور وعلي لا مستقبل لهما، لانهما في حقيقة الأمر لم يكن هدفهما الرسالة الحضارية التي يدعيها عماد، فالبحث عن المال وجمعه يتناقض مع الرسالة الحقيقية (لانني اريد ان اجمع اكبر قدر من المال)، لكن العيش بسلام هدف آخر او حلم يسعى على لتأكيده (باختصار نريد ان نعيش) ففجر الغائب الماثل كان حلما فارق الحياة بمجرد ولادته وهو نهاية صغرى ايذانا للنهاية الكبرى، وقد ولد هذا لدى والده علي انه لا طائل من وراء هذا الحلم (ووجدت انني اخيرا اركض وراء سراب لن أمسك به)، لقد توصل علي الى الحل باستقالته فالحلم بعيد المنال قد يولد كفجر ويموت (الهدف.. ما الهدف؟ اعيش هنا كالكلب، منسي، وفي غمرة الفضول والذكريات، يسأل عني صديق في الوطن، او امرأة ابيض شعرها، ونحل جسدها، او ربما فتاة، بيضاء وردية، لم يعد لي في ذاكرتها سوى لحظة وداع، ما الهدف؟ ما الهدف؟)، ويدرك عماد هذه الحقيقة التي يصر علي عليها (كأنه يكتشف نقطة ضعف رهيبة في كيان خصمه)، والتي تثير التساؤلات في نفس هذا الخصم: ماذا فعل من اجل الوطن هذا ما كان ينتابه ويجعله يرتطم بالواقع، وفي المقابل منصور الشخصية العبثية الذي حاول التأقلم مع اهل القرية وخصوصا مع شخصية بوعايظ فراش المدرسة من اجل حلم يراوده «ظفرة» المرأة تلك المرأة التي حلم بها لقد مات وهو يهذي باسمها.جميعهم ساروا نحو اتجاه واحد الا وهو الحلم الذي مات وليدا في نفس كل واحد منهم، وعادوا الى اوطانهم بعد ان تركوا كل شيء وخلفوا وراءهم ذاكرة مهترئة تبحث عن اسئلة لتبرر لها سر هذا الحلم الحاضر الغائب.ان هذا الطريق المحفوف بالصعاب هو صورة حية لحلم جسده هذا الواقع الماثل، لحلم غائب كان الوصول اليه اصعب من الوصول الى بلحارث تلك القرية البسيطة التي تفتقد لكل تقنيات وسائل الحلم الحقيقي.ويتراءى لنا بداية حضور ذات الراوي، وهو البطل هنا، من حيث كونها ذاتاً غير حاضرة حضورا فعليا مع الأحداث، ولا يعني عدم حضورها وتفاعلها مع الاحداث تفاعلا سلبيا، بل هي ذات واقعية متأملة متفكرة تنظر للامور بواقعية عميقة تصور وترصد الواقع بكل آلياته تصف المكان المتمثل في مدينة جدة (يلتهمني زحام جدة، سياراتها الملونة الجميلة، عماراتها الرمادية المطفأة غبارها والشاطئ الزنكي عند واجهتها البحرية..)، تصف القنفذة :(بيوت طينية، سوق صغير، شوارع ترابية دكاكين..) وواقع الطريق الرملي الممتد المظلم السراب، والقرية بلحارث :(تقع اسفل جبال عسير التي قرأنا عنها في تضاريس الجزيرة العربية حينما كنا صغارا..) ويركز على ما يعانيه شخوصها من بؤس وهو بالتالي لا يعني انفصامه عن الآخر وقطع تجربته عنه.ان هم الراوي البطل كان في المقام الأول منصبا في ابراز معاناة الغير من الوافدين، ومعاناة تلك الشرائح التي تمثل شريحة من المجتمع المحلي السعودي من اهل القرى في فترة زمنية كانت فيها تلك القرى تعيش حالات الجهل والتخلف والمرض.والبطل امام هذا الوضع يعيش بين وجودين وجود داخلي/ذاتي، ووجود خارجي/غيري، يرغمه الوجود الداخلي على الانزلاق نحو لحظة القلق المسيطرة على تصرفاته وسلوكه فهو مرة يقرر الهرب والهرب هو الوسيلة الوحيدة التي يتقنها البطل (الهرب؟ انها حقيقة مذهلة، ان يهرب الانسان، لو هرب والدي من الحرب لبقي حيا الى الآن، لو هرب..) في حين يرى ان الحياة في الصحراء كفاح لا ينبغي الهرب منه (كل الذين يعملون في هذه الصحراء، صامدون، الاستقالة تعني الانثناء، التراجع، الحياة هنا كفاح، من نوع ما، يجب أن لا نهرب من هذا الكفاح).وكلما ازداد علو المرء في درجة التطور الحضاري كلما كان ذلك كفيلا بزيادة حدة الألم والقلق الوجودي، ومن الواضح ان البطل كان يمر بهذه الحالة نتيجة للوضع الذي يرفضه منذ البداية، في حين ان منصور تأقلم مع تلك الحياة البسيطة فهو هادئ في مواقفه مع اهل القرية ومع وجوده فيها (قال لي ذات مرة محاولا فلسفة وجوده هنا بأن الحياة بسيطة انه لا وجود لتلك التعقيدات التي يفاجأ بها المرء في المدن..) وهذه الحياة البسيطة تعني راحة البال فلا أحداث جسيمة تهدده، ولا مدنية قد تطغى على ذاته، انما يبلغ الشعور بالوجود اعلى درجة في حالة الفعل الباطن الذي أنشب اظفاره في الحياة المضطربة.ومع هذا فان حضور الذات هنا كان حضورا دراميا فهي تدرك انها لا تقف وحدها في هذه الحياة بل يشاركها اخرون فيها بمعنى ان ذاتها لا تقف بعيدا عن بقية الذوات، فهي ذات تتفاعل مع العالم الموضوعة فيه، وفي ذات الوقت تنفصل عنه متجاوزة الوجود الزائف الى الوجود الأصيل، ما يعني غيابها بشكل فعلي عن الواقع والحياة المعيشية، فتجربة السفر الى المملكة في حد ذاتها معركة خاضها البطل منذ بداية حياته، ثم اصطدامه بالواقع الذي لم يتوقعه ومع هذا ظل يتابع الحياة مصورا أبرز وقائعها ودورتها وسعيه الدؤوب لفهمها وتوسيع مداركه مع التناقض الذي يسهم في التفاعل مع كل هذه الأحداث، ومع لهجتهم المحلية التي استطاع ان يرسمها مع الواقع المعاش، وهذا يعني ان شخصية عماد ليست شخصية عاجزة عن التواصل بل هي من أكثر الشخصيات تواصلا مع ذاته، والآخرين في اقامة حوار بينه وبين من حوله، وقد خلف هذا صراعا داخليا مستميتا ومقلقا.ان الذات الوجودية تقدس الحب لكنها في المقابل ترى ان الحب -الايروس- لا يمكن ان تتحقق لذاته واثرائه الا عن طريق الاحساس بالبعد (احب نادية، واعلن الآن رحيلي) فكلما كان الحب صعب المنال كلما كانت حركته مستمرة متوثبة (هي لم تغب عني كانت لكنها تتسرب الآن ككل تلك الاشياء التي خرجت من داخلي واهابي الى حيث لا رجعة ..) حتى عندما اعلم اخاه منصور بخبر حبه لنادية خفت بريق الحب في نفسه ولم يعد ذلك العاشق الذي يتحدث عن محبوبته كما كان.اما منصور فهو رجل محروق بالشهوة يعترف بالحب لكن حبه لـ «ظفرة» حب من نوع اخر حب تتجسد فيه حضور اللذة بالدرجة الاولى (لكن حبي من نوع اخر) والرغبة في الحصول عليها ان الحياة في نظر منصور مجازفة لكن المرأة الانثى وهو هنا لا ينكر هذا القلق الجسدي الذي يعتريه هو ومنصور نتيجة لتلك الرغبة العارمة، في حين يحتل مجرد التفكير لدى اهالي القرية البسطاء جل تفكيرهم، فبوعايظ (يبدو للوهلة بريئا، يتحدث كطفل، يسأل عن بديهيات، حتى اذا انتقل الحديث الى موضوع النساء تغيرت طريقته في الحديث، وارتفع حاجباه بين الحين والآخر)، ومعيظ مدير المدرسة الذي لم يكتف بما لديه من نساء بل طمع في زوجة بوعايظ وطلقها منه ليحصل هو عليها.وهذه الذات حينما ترفض الآخر لا ترفضه رغبة منها في التعالي عليه، وانما لأن ادانتها للآخر ليست نابعة من كونه القروي المتخلف والبدائي بقدر ما هي ادانة للأسباب التي كانت وراء هذا السلوك البدائي غير المتحضر، ونتيجة اخرى لشعور هذه الذات بالغربة التي جعلتها تنفي الآخر وتستقصيه:(هي الغربة يا نادية، وانت غريبة ايضا مسافرة حيث انت)، فهو يعيش بين غربتين غربته عن وطنه الحقيقي فلسطين وناديه تشاركه هذا الهم، وغربته عن وطنه عمان الذي عاش فيه، اضافة للحيرة والتردد الواضح على معالم شخصيته، والبطل كان منفصلا عن ذاته مع المكان وقد خول هذا تكريسه للملاحظة الموضوعية التي أتاحت له التأمل واحتواء المكان بتصويره بحرفة واقعية متأملة.ان حالة الوعي والاستلاب «الذهول» هذه كفيلة بالتأمل وابراز الحقائق بصورة واضحة للعيان وبدقة متناهية.ولا يمثل المكان اي مقوم من مقومات البقاء، وقد احدث هذا صراعا بينه وبين ذاته ذات تلفظ المكان وتستقصيه فهي غائبة عن المكان حاضرة باتصالها بذاتها، واخرى تحاسب ذاتها الموجودة والمتفاعلة مع المكان، فهي حاضرة في المكان غائبة عن الذات، وكلاهما يحاول الالتحام للخلاص من هذا الشقاء النفسي الذي ولدته غربته عن المكان، انه يقف عاجزا امام ذاته التي تصر على ترك المكان لكن ذاته الحاضرة الذات المادية تتشبث به وفي النهاية تنتصر الذات المنشطرة على المكان ويعود عماد خالي الوفاض دون ان يختصر الزمن.ويرتبط المكان ارتباطا وثيقا بالحرية فالحرية هي مجموعة الافعال التي يستطيع فعلها الانسان دون ان يصطدم بعقبات او حواجز فحرية البطل مقيدة في هذا المكان القرية، وقد ولد هذا الاقصاء المكاني في تلك القرية البعيدة حتى عن السعوديين انفسهم، شعورا بالزمان واحساسا عميقا به، فعدم الاندماج مع الاخر هو نتيجة لوقع الزمن المتباطئ الذي يشعر به البطل وهو الذي جعله يعيش صراعا داخليا وحوارا مستمرا مع ذاته.لكن الزمن في الرواية يعد فاعلا رئيسا في شخصية البطل المنشطرة التي ارادت ان تختصر الزمن الذي ابى الا ان يظل جامدا ثابتا فامتنعت عنه الحركة والتطور خمس سنوات لم يتمكن عليّ خلالها من ان يشتري الارض التي لطالما حلم بها، ويوم السبت مرتبط بالمكان منذ ان بدأ عماد عمله الرسمي في الصحراء (ذات مرة حاولت مهادنة هذا اليوم -السبت- احضرت قلما ودفترا ووضعت كافة الاحتمالات التي أدت الى هذه العداوة التقليدية بيننا -انا والسبت- فعثرت على سبب واحد هو ان السبت اول ايام الاسبوع وان كلمة السبت تحمل في طياتها عملا متواصلا لمدة ستة ايام).مما يعني ان العدائية وعدم المصالحة كانت بارزة في شخصية البطل حيث كان يشعر في قرارة ذاته انه مستلب مقصي منشطر بينه وبين ذاته والمكان والزمان.ويبدو ان البطل يرغب بتسارع الزمن والوقوف في وجهه وسحقه لكن هيهات:(تقول في رسالتك بأنك ستختصر الزمن وتختصر الشقاء لتعود قادرا على عمل المستحيل ايمكن ذلك ياعماد ومنصور مازال يختصر الزمن مثلك حينما عاد في العام الماضي، كان محملا بالريالات والهدايا فهل اختصر الزمن) ان هذا الاحساس العميق بتوقف الزمن وتباطئه لدى ناديه مرتبط باحساس يتخلله الخوف والضجر والملل لبعدها عن حبيبها (كم هي قاسية حياتي بدونك يا عماد وكم هي ثقيلة مدحلة الساعات وهي تمشي ببطء) فهذه الجدلية بين اللحظة الحاضرة وبين مستقبل عماد الذيي يكتنفه الكثير من الغموض لم تجبره على اتخاذ موقف او قرار الرحيل لاجل ناديه.وذاكرة الراوي عماد ذاكرة مبعثرة بين ماض موجع مليء بذكريات الوطن والأهل والحبيبة وحاضر مؤلم تكتنفه غربة موجعة وواقع بائس، يطمح من خلاله لحلم يستشرف مستقبلا مشرقا له ولأهله ومحبوبته (اخطط لمستقبل مشرق مع ناية احلم ببيت كنت.. ).وقد خلق هذا الحاضر في ذاته اضطرابا نفسيا افقده توازنه (ماذا افعل؟ سأشرب يا منصور) نعم شربه بالرغم من رفضه له ومحاولته غير المجدية مع منصور للتخلص منه (ورغم انني كنت اشاركه شرب الخمر الا انني كنت مستعدا للاقلاع عن هذه العادة المستجدة علي لا ادري ان كانت طريقتي في الاقناع غير موفقة).ولكي يتسنى لمنصور استلاب الزمن/وسرقة لحظاته، لجأ للخمر والمخدر/القات:(انه مركب الى عالم آخر ينقلك الى دهاليز غيبية وذكريات لم تحصل بعد ابدأ، انه صانع الذكريات لمن لا ذكريات له، تأكله كالأرنب، تقرضه وتمتص عصارته، وتستمر في امتصاص العصارة حيث تبدأ بالنسيان، تنتقل الى عالم آخر يا عماد، ترى اشياء لم تعهدها..)، ان منصور يريد الغاء لحظته الحاضرة بنسيانها واللجوء الى القات المخدر لينتصر لمستقبله والذي تؤكد تصرفاته وسلوكياته ويحقق عقله اللاواعي، وبناء عليه وبطريقة لا شعورية يتوقع توقعا جازما في عقله الباطن عدم امكانية هذا الحلم/المستقبل، ذلك ان الحاضر لحظة آنية ماثلة تتحرك في الزمن، وتقودها حركتها باتجاهين حيث تتراكم على الماضي وتستشرف المستقبل الذي لا حدود له، والحاضر يمتد ليتجه عبر المستقبل الذي يفلسفه عماد في قوله (اليوم وغدا وكل الأيام خمر..) عله ينسى أو يتناسى الماضي وذكرياته والحاضر وواقعه المرفوض في قرارة نفسه، اما علي فيقرر الاستقالة فالزمن لم يكن كفيلا بتحقيق حلمه المستقبلي.والموت الذي كان نهاية حتمية لشخوص الرواية موت البطل وحلمه وانشطاره مع الأنا والآخر، موت طفل علي -فجر- واحلامه في شراء الارض، وفي نهاية المطاف موت منصور ذلك الشاب صاحب النكتة الطريفة والروح المليئة بالحب والحنان.والوجود كما يرى هيدجر فرار من المواجهة، من الموت، (لحظات الموت ليست اكثر من حالة تتأرجح بين القبول والرفض، بين الحلم والحقيقة..) كما يصفها عماد وهو يرى جسد منصور مسجى على السرير.في حين ان قلق الموت الذي انتاب منصور واحسه كان نتيجة لاستجابة انفعالية تضمنت مشاعر ذاتية من عدم السرور والانشغال المعتمد على تأمل او توقع اي مظهر من المظاهر العديدة المرتبطة بالموت :(لست خائفا يا عماد من لقاء ظفرة، لكنني اليوم اتطير، انا اعرف اليوم من أوله كالرسالة من عنوانها).ان استقالة علي هي رغبته في الحياة ذلك ان اكثر الرغبات التي تحرك الانسان نحو الاشياء والافعال هي رغبة من الموت: لانه حقيقة، ونقيضه الحياة تلك التي يرى انها :(كذبة تستهوي الانسان فيصغي لها جيدا، يعيشها حتى اذا ما نظر الى ساعته اكتشف ان اثمن اوقات النهار قد ضاعت..) ويصارع عماد ثنائية البقاء والفناء محاولا تفنيد اقوال علي (فأحس باتساع الهوة بين النقيضين في داخلي).منصور يؤمن بالقضاء والقدر ويرى ان الموت بيد الله، رادا على تساؤل علي :(هل تنكر فعل القضاء؟ هنا أنكر كل شيء الا الموت، لانه الشيء الوحيد الذي ألمسه).
والزمن -المائي- واضح في هذه الرواية فالأمنيات قد تحولت الى منيات (درجة الصفر للحياة انما هي الموت). ان الموت هو النهاية الحتمية فـ (كل الأشياء تشير الى النهاية).ان الوجود في الموجود/المكان أثار هذيان عماد :(انني مجرد كتلة لحمية تترامى على ظهر الدراجة، في الواقع لم اكن ادري اي خلاص هو الذي اردته)، وكان لهذا الهذيان القفزة الاولى لاتخاذ القرار خاصة بعد ان وجد ان حلمه بدأ يرتطم، وان بقاءه لن يخلف له سوى ذكريات قد تطوى بفعل الزمن او تظل عالقة في ذاكرة اللاشعور، ثم كان موت منصور الذي كسر حالة الانشطار والتردد التي تميزت بها هذه الشخصية المستلبة في ظل الواقع الذي وقفت منه موقفا مترددا برغم تصويرها لكل وقائعه واحداثه من مكان وزمان ولهجة وشخوص.



مفارقات الجغرافيا وإيحاءات الصمت الزمكانية في «جاهلية » ليلى الجهني

تضع رواية جاهلية يدها على الجرح وتنثر الملح بكل وضوح سافر فهي تتمركز حول قضية اجتماعية متزامنة مع ثلة من القضايا المساهمة وبشكل فعال في إحداث ثورة درامية ملحوظة ونقلة نوعية داخل مجتمع مدني في صورته مشكوك في مصداقية تبنيه للقضايا والتزامه الشديد بها وذلك لاعتبارات عدة تقف على أولها مسائل العرف والعادات والتقاليد السائدة وتصور قصة فتاة سعودية تدعى “لين” وما يحويه اسمها من دلالات الليونة التي تعني قابلية كسرها وقعت في حب شاب أسود يدعى “مالك” مع ما يحمله اسمه من دلالات توحي باستبعاده ناهيك عن أنه لا يحمل الجنسية .
تجري أحداث الرواية بمعرفة “هاشم” الأخ المدلل الشاب الطائش بهذه العلاقة الغرامية فينصب له كمينا مع أحد أصدقائه فيقوم بضربه وركله ويتم نقله على إثرها ليعيش غيبوبة لا يعلم مداها ليمثل هذا الحدث بداية السرد “نقطة الصراع” كمية الرواية ”ضوضاء الحدث” ويستمر الصراع الداخلي يلون صفحات الرواية ويتحرك في نفوس شخوص العمل إلى اللانهاية.

وقد رسمت الرواية عالما لفضائها أو مكانا حقيقيا وهو المدينة المنورة مع اندماج ثنائية المكان المحصورة بين الواقع الحقيقي والمتخيل “الرؤية” فالمدينة المنورة مكان متعدد الدلالات “غير مغلق”مفتوح على الخارج تجمع في أحشائها عوالم بشرية متنوعة في أعرافها وأعراقها المدينة المنورة بداية العهد الإسلامي التي منها أقر الإسلام شرائعه ووضع أحكامه التشريعية، المدينة التي تجمع شمل المسلمين ففيها لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
وتحديد الأبعاد الجغرافيا والمواقع في الرواية ليس مجرد إيهام وإنما للإيحاء بنوع من الإضاءات والفلاشات التي ركزت عليها خاصة في فصل “الصمت والموت” لترسم لحظات الصراع النفسي في نفس “هاشم” وهو يترقب اللحظة لموت ذلك الذي تعدى على حرماته.

والمكان المفتوح متعدد الدلالات يجنح بشخوصه نحو التمدد والانطلاق والانفساح إلا أن خواص المجتمع التي تفيض بالممنوع والمحرم تحيل شخوصها إلى أماكن مغلقة بحيث تمثل كل شخصية محب عاشق مكان مغلق لا نور فيه ولا تمدد ضيق الدلالة ولا تنمو سرديته إلا في أماكن أخرى مغلقة وسط منظومة اجتماعية لا منتهية من العيب “الحرام” العار : (في غرفة باردة في الطابق السابع من دار الايمان انتركونتننتال التقيا للمرة الأولى بعد أشهر طويلة).ولعلها من المفارقة التي أرادت لها الكاتبة بالظهور لتصبح المعادلة كالتالي:المكان المفتوح = مكان مغلق صغير ينتمي بدوره إلى أماكن صغرى.
وتتناغم الذات مع الموضوع من خلال التفاصيل اليومية “الإقحام” وقد أقحمت الساردة البعد النفسي الذهني مع موجودات المكان فتوحدا معا فالمكان لا يعارض الواقع بل هو وسيلة لارتباطهما، وانشطار الذات أزمة وجودية بين واقع مرير وخيال محير في نفسية الساردة وشخوصها فالصمت والموت هو أكثر واقع يخافه “هاشم” : (كل شيء ينأى عنه تاركا له الصمت والموت فر طويلا من الصمت والموت وها هو يدركه -بغتة- إنهما أمامه دائما ركض معتقدا أنه ينأى عنهما ولم يدر أنهما سيكونان بانتظاره).

والموت “الفاجعة” النهاية” الالقاء” هو أكثر ما يهز كيان الأنثى العاشقة الحنونة مع من تحب : (كيف فكرت في ذلك وغفلت عن أن الموت قادر على أن يمحص أصلب الأفكار وأكثرها عنادا وصلفا في الأحوال العادية هزها الموت في كل مرة جاء فيها).
والصراع الذي يؤجج رغبة "لين"، ولون مالك يتجلى في الاحتراق الذي اختارهما هو بدوره وسط مشهد رافض لعلاقتهما بالنمو فـ”مالك” يحترق وتعتمل بداخله الأسئلة تماما كسيجارته التي ما فتئت تنفث الدخان بعيدا "ولين" خلف باب الحمام وحدة مغلقة صغرى تحترق أيضا بطريقتها دموعها ،، نار سؤالها ،، حرارة وجنتيها ،، يقينها ،، الكل يحترق والصيغة تختلف، فالمكان المغلق يجمعهما وكل ينفرد بشؤونه عن الآخر في الاحتراق.

بينما ساهمت الأبعاد الزمانية في وضع تصور واضح عن حال المجتمع المتمدن الذي يعيش ناسه في جاهلية مفرطة وصراع داخلي مع نفسه ومن حوله وبما أن الزمن هو تلك اللحظة الهاربة نحو الماضي بينما ينبع الحاضر من معين لا ينضب هو المستقبل ليصب في وعاء لا يمتلئ ولا يفيض هو الماضي الذي يختزن في الذاكرة إلى حين استرجاعه من خلال التذكرة أو المناجاة “تيار الوعي” المتمثلة في شخصيتي “هاشم” و “لين”.تبدأ القصة بداية زمنية من الآن وتسير الأحداث الزمنية بطريقة تدريجية الآن فالماضي وكأنها ترغب في العودة إلى الوراء لاجتثاث أفكار ذلك الزمن ومعتقداته التي باتت واقع معاش في مجتمع يدعي التحضر ويؤكد ذلك إصرارها على استخدام بعض ألفاظ الأيام والأشهر التي اميت استعمالها وهذا الماضي ليست صورا تستثار في الحاضر وإنما تتغلغل في آنيته لتخلق الصراع العنيف بين الزمنين ويختزل الزمن في بعد واحد “الماضي” وليس ثمة حاضرأاو مستقبل فتتداخل الأزمنة بين الماضي والحاضر لدرجة اللبس لكن اللحظة الآنية هي القابضة على الأحداث محاولة السيطرة على الماضي وتجاوزه أو حتى تحطيمه وكأنها أرادت باستخدامها لتكنيك الأيام والشهور الجاهلية أن تركز الضوء على واقع معاصر وهو بأفعاله يعود لزمن الجاهلية وفي ذلك تناقض حاد وصريح رسمته الكاتبة بذكاء، ويتمثل الزمن الخارجي في الأيام والذي يدور حول استرجاع بعض الأحداث المصاحبة لشخوص الرواية في حين إن الزمن الداخلي الذي يعتمل في نفس الشخصيات “هاشم” ورغبته في الانتقام من “مالك” ولحظة الانقضاض عليه وتعجبه من أخته كيف أحبت هذا الرجل الأسود وما يعتلج في نفسه من لحظات يسرقها للضحك على ضحاياه من النساء، أما زمن لين وصراعها الدرامي فيتمثل مع ذاتها وحبيبها الذي لا عيب يعيبه سوى أنه أسود: (ستكفنه الغيبوبة البيضاء من قال إن الغيبوبة بيضاء؟ من قال إن للغيبوبة لونا؟ اللون! يا أيها اللون ماذا فعلت؟)، ولحظات ألمها من واقع المجتمع الذي ينظر للأنثى نظرة دونية “كان غضب أعوامها الماضية كلها قد سرى في دمها غضب طفلة العاشرة التي وعت مبكرا أنها غير مرضية لكنها لم تفهم سبب ذلك غضب العزلة التي سيجت روحها بها والوحدة التي انهكتها غضب الإهمال والتجاهل والاستخفاف بكل ما حققته في حياتها” وصراعها مع مجتمعها الذي ينظر للآخر بعنصرية شديدة: (أخطأت عندما أحبت رجلا أسودا هل أرتكبت ذنبا في حق الله أو الناس لقد أحبت إنسانا أحبت قلبا من ذهب ولم تنظر إلى اللون لكن أخاها لم ينظر إلا إلى اللون فعاقبها قال لها أبوها إن الناس لن تنظر إلا إلى لونه وسيعاقبونك وأنا لا أريد لك أن تتعذبي).
وفي مقابل هذه العنصرية فإن المجتمع ينظر إلى الآخر الذكر نظرة تبجيل وخاصة من قبل الأمهات : (ألن يعطني الله ولدا؟ أريد عزوة؟ لا أريد أن أموت بين أيد غريبة أريد أن يرعاني في مرضي وعجزي ، فلين ليست لنا).
الرجل في هذا المجتمع لا شيء يعيبه فماذا يعني لو تزوجت فتاة صغيرة رجلا كأبيها : (العمر مسألة لا تعيب الرجل ما من شيء يمكن أن يعيب الرجل وأبوها لم يخطئ عندما زوجها هي فقط من عجز عن احتمال الألم).
وهذا الزمن التداخلي يختلط باللاوعي والهواجس الداخلية إذ نلحظ جدلية الحاضر مع الماضي بصورة مستمرة ومفتوحة على المستقبل أمام القارئ ليضع رؤيته وتأويلاته وهذا بالفعل ما أرادته ليلى في جاهليتها.
وتدعو الساردة هنا لخلق زمن جديد يتجاوز الماضي بكل سلبياته وعنصريته إلى حاضر يعبر عن إيمانه بمعتقداته الحقيقية وليست تلك التي يؤمن بها في ظل أوضاع اجتماعي تبنتها العادات والتقاليد.
وحينما تربط الساردة أحداث العراق وأمريكا بين طيات الرواية فإنها ترسم صورة الأقوى والقادر على تجاوزات عديدة حيث يحق له ما لا يحق لغيره وهذا يصور واقع بعض شرائح المجتمع السعودي، فالرجل المتمثل في الأخ هو الأقوى وإن كان الأصغر ويحق له أن يفعل كل ما يحلو له : (لم يضرك أخ أصغر منك لأنك امتنعت عن تجهيز الشاي له ولرفاقه لم تجربي أن تسأليه بغضب مخنوق بأي حق تضربني فتنهرك أمك اششش لا ترفعي صوتك على أخيك). هذا العدوان أشبه بالعدوان الأمريكي على العراق لذلك نجدها تربك أحداث الرواية بأحداث العراق في كل فصل من فصل روايتها.

وأخيرا:
فجاهلية نجحت في كشف علاقتنا مع الآخر في ظل مجتمع يدعي الانفتاح ويؤمن بالشعارات الرنانة دون تفعيل حقيقي لتلك القيم والمبادئ التي أوصى بها الإسلام إن الجاهلية تسكننا مهما ادعينا تطبيقنا لمبادئ الدين فعند أول محك حقيقي تظهر جاهليتنا.
إننا مجرد ذاكرة قولية ولسنا بذاكرة فعلية ذاكرة تجتر الأحاديث والآيات إزاء كل مناسبة وبما يتناسب مع اعتقاداتها.